قوله : (هُدىً وَذِكْرى) فيهما وجهان :
أحدهما : أنهما مفعول من أجلهما أي لأجل الهدى والذكر.
والثاني : أنهما مصدران في موضع الحال (١).
والفرق بين الهدى والذكرى ، أن الهدى ما يكون دليلا على الشيء وليس من شرطه أن يذكر شيئا آخر كان معلوما ثم صار منسيّا ، وأما الذكرى فهو الذي يكون كذلك ، فكتب أنبياء الله تعالى مشتملة على هذين القسمين بعضها دلائل في أنفسها ، وبعضها مذكرات لما ورد في الكتب الإلهية المتقدمة (٢).
ولما بين تعالى أنه ينصر رسله وينصر المؤمنين في الدنيا والآخرة وضرب المثال في ذلك بحال موسى خاطب بعد ذلك محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) أي فاصبر يا محمد على أذاهم ، إن وعد الله حق في إظهار دينك وهلاك أعدائك. قال الكلبي : نسخت آية القتل آية الصّبر.
قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) قيل : المصدر مضاف للمفعول أي لذنب أمتك في حقك(٣). والظاهر أن الله تعالى يقول ما أراد وإن لم يجز لنا نحن أن نضيف إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذنبا ، قال المفسرون : هذا تعبد من الله تعالى ليزيده به درجة ، وليصير سنة لمن بعده.
قوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) صلّ شكرا لربك بالعشيّ والإبكار ، قال الحسن : يعني صلاة العصر وصلاة الفجر ، وقال ابن عباس : الصلوات الخمس.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(٥٦)
قوله (تعالى) (٤) : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ ...) الآية لما ابتدأ بالرد على الذين يجادلون في آيات الله واتصل الكلام بعضه ببعض على الترتيب المتقدم إلى هنا نبه تعالى على الداعية التي تحمل أولئك الكفار على تلك المجادلة ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) أي ما يحملهم على هذا العمل الباطل إلا الكبر الذي في صدورهم. قال ابن عباس : والمراد ما في قلوبهم ، والصدر موضع القلب فكني به عن القلب لمجاورته.
قوله : (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) قال مجاهد : ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ؛ لأن الله عزّ
__________________
(١) ذكر هذين الإعرابين الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٣٢ والسمين في الدر ٤ / ٧٠٥.
(٢) الرازي المرجع السابق.
(٣) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤٧١ والرازي في تفسييره أيضا المرجع السابق.
(٤) سقط من ب.