وجلّ مذلّهم (١). قال ابن قتيبة : «إن في صدورهم إلا تكبر على محمد ، وطمع أن يغلبوه ، وما هم ببالغي ذلك» (٢).
وقوله (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) قال المفسرون : نزلت في اليهود ، وذلك أنهم قالوا للنبيصلىاللهعليهوسلم : إنا صاحبنا المسيح بن داود ـ يعنون الدّجّال ـ يخرج في آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر ويرد الملك إلينا ، قال الله تعالى : فاستعذ بالله من فتنة الدجال إنه هو السميع البصير (٣). وقال ابن الخطيب : يعني بقوله (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) يعني أنهم يريدون (٤) أذاك ، ولا يصلون إلى هذا المراد بل لا بد وأن يصيروا تحت أمرك ونهيك. (٥) ثم قال تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي فالتجىء إليه من كيد من يجادلك (٦) إنه هو السّميع بما يقولون أو تقول «البصير» بما يعملون وتعمل فهو يجعلك نافذ الحكم عليهم ويصونك عن مكرهم وكيدهم.
قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ)(٥٨)
قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) المصدران مضافان لمفعولهما ، والفاعل محذوف ، وهو الله تعالى.
ويجوز أن يكون الثاني مضافا للفاعل أي أكبر مما يخلقه الناس ، أي يصنعونه. ويجوز أن يكون المصدران واقعين موقع المخلوق ، أي مخلوقهما أكبر من مخلوقهم ، أي جرمهما أكبر من جرمهم (٧).
فصل
اعلم أنه تعالى لما وصف جدالهم في الآيات بأنه بغير سلطان ولا حجة ، ذكر لهذا مثالا ، فقال : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس والقادر على الأكبر قادر على الأقلّ لا محالة. وتقرير هذا الكلام أن الاستدلال بالشيء على غيره ينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يقال : لما قدر على الأضعف ، وجب أن يقدر على الأقوى وهذا فاسد.
(وثانيها : أن يقال : لما قدر على الشيء قدر على مثله ، فهذا استدلال صحيح لما ثبت في الأصول : أن حكم الشيء حكم مثله) (٨).
__________________
(١) انظر تفسير البغوي ٦ / ٩٨ والرازي ٢٧ / ٧٩.
(٢) نقله في غريب القرآن ٣٨٧.
(٣) قاله البغوي والخازن في المرجع السابق ٦ / ٩٨.
(٤) في تفسيره أن لا يكونوا تحت يديك.
(٥) التفسير الكبير له ٢٧ / ٧٩.
(٦) في ب : يحسدك.
(٧) ذكر هذه الآراء أبو حيان في البحر ٧ / ٤٧١ والسمين في الدر ٤ / ٧٠٥.
(٨) ما بين القوسين كله سقط من ب.