قوله : (وَلَا الْمُسِيءُ) لا زائدة للتوكيد ؛ لأنه لما طال الكلام بالصلة بعد تقسيم المؤمنين ، فأعاد معه «لا» توكيدا ، وإنما قدم المؤمنين لمجاورتهم (١).
قوله : (تَتَذَكَّرُونَ) قرأ الكوفيون بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة ، والخطاب على الالتفات للمذكورين بعد الإخبار عنهم. والغيبة نظرا لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) وهم الذين التفت إليهم في قراءة الخطاب (٢).
قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(٥٩)
قوله : (إِنَّ السَّاعَةَ) يعني القيامة (لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) والمراد بأكثر الناس الكفار الذين ينكرون البعث والقيامة لما قرر الدليل على إمكان وجود يوم القيامة أردفه بالإخبار عن وقوعها.
قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)(٦٠)
قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...) الآية لما بين أن القول بالقيامة حق وكان من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بطاعة الله تعالى والتضرع إليه لا جرم كان الاشتغال بالطاعة من أهم المهمّات ، ولما كان أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع لا جرم أمر الله تعالى به فقال : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
واختلفوا في المراد بقوله «ادعوني» فقيل : المراد منه الأمر بالدعاء ، وقيل : الأمر بالعبادة بدليل قوله بعده : إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي» ، وأيضا الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) [النساء : ١١٧]. وأجاب الأوّلون بأن هذ ترك للظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل.
فإن قيل : كيف قال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، وقد يدعى كثيرا فلا يستجاب؟
وأجاب الكعبيّ بأن الدعاء إنما يصح بشرط ، ومن دعا كذلك يستجيب له ، وذلك الشرط هو أن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة وحكمة.
ثم سأل نفسه فقال : إن الله تعالى يفعل ما هو الأصلح بغير دعاء فما الفائدة في الدعاء؟
وأجاب عنه بوجهين :
__________________
(١) المرجع السابق نفسه.
(٢) انظر حجة ابن خالويه ٣١٦ والسبعة ٢٧٥ وهي سبعية متواترة.