خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٦٥)
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) اعلم أن تعلقه بما قبله من وجهين :
الأول : كأنه تعالى قال : إني أنعمت عليك قبل طلبك هذه النعم العظيمة ، ومن أنعم عليك قبل السؤال بهذه النعم العالية فكيف لا ينعم بالأشياء القليلة بعد السؤال؟!.
والثاني : أنه تعالى لما أمر بالدعاء فكأنه قيل : الاشتغال بالدعاء لا بد وأن يكون مسبوقا بحصول المعرفة فما الدليل على وجود الإله القدر؟ فذكر تعالى هذه الدلائل العشرة على وجوده وقدرته وحكمته ، وقد تقدم ذكر الدلائل الدالة على وجود الله وقدرته وهي إما فلكيّة ، وإما عنصريّة وأن الفلكيات أقسام كثيرة ، أحدها الليل والنهار ، وأن أكثر مصالح العالم مربوطة بهما فذكرهما الله تعالى ههنا ، وبين أن الحكمة في خلق الليل حصول الراحة بالنوم والسكون ، والحكمة في خلق النهار إبصار الأشياء ؛ ليمكن التصرف فيها على الوجه الأنفع.
فإن قيل : هلّا قيل بحسب رعاية النظم هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار لتبصروا فيه أو يقال : جعل لكم الليل ساكنا والنهار مبصرا ولكنه لم يقل ذلك ، فما الفائدة؟ وما الحكمة في تقدم ذكر الليل؟ (١).
فالجواب عن الأول : هو أن الليل والنوم في الحقيقة طبيعة عدميّة فهو غير مقصود بالذات ، وأما اليقظة فأمور وجودية ، وهي مقصودة بالذات. وقد بيّن الشيخ عبد القاهر النّحويّ في دلائل الإعجاز (٢) أن دلالة صيغة الاسم على الكمال والتمام أقوى من دلالة صيغة الفعل عليها فهذا هو السبب في الفرق.
وأما الجواب عن الثاني : فهو أن الظلمة طبيعة عدميّة ، والنور طبيعة وجودية ، والعدم في المحدثات مقدّم على الوجود ؛ فلهذا السبب قال فى أول سورة الأنعام : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١].
ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) والمعنى أن فضل الله تعالى على الخلق كثير جدا ، ولكنهم لا يشكرونه.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٧ / ٨٢ ، ٨٣.
(٢) دلائل الإعجاز له ١٢١ ، ١٢٢ بالمعنى.