مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٦٨)
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) لما أورد على المشركين تلك الأدلة الدالة على إثبات إله العالم أمره بهذا القول ؛ ليصرفهم عن عبادة الأوثان ، وبين وجه النهي في ذلك وهو ما جاءه من البينات ، وهو ما تقدم من الدلائل على أن إله العالم قد ثبت كونه موصوفا بصفات الجلال والعظمة على ما تقدم وصريح العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا به ، والأحجار المنحوتة والأخشاب المصوّرة لا تصلح أن تكون شريكا له فقال : وأمرت أن أسلم لرب العالمين ، وذلك حين دعي إلى الكفر (١).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ...) لما استدل على إثبات الإلهية بدليل الآفاق وذكر منها الليل والنهار والأرض والسماء ، ثم ذكر الدليل على إثبات الإله القادر بخلق الأنفس وهو نوعان : أحدهما : حسن العودة ورزق الطيّبات ؛ ذكر النوع الثاني وهو : تكوين البدن من ابتداء كونه نطفة وجنينا إلى آخر الشّيخوخة والموت فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) ، قيل : المراد آدم (٢). قال ابن الخطيب : وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل إنسان فهو مخلوق من المني ومن دم الطّمث والمني مخلوق من دم فالإنسان مخلوق من الدّم ، والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية كلها منتهية إلى النبات والنبات إنما يكون من التراب والماء فثبت أن كل إنسان متكوّن من التراب ، ثم إن ذلك التراب يصير نطفة ثم علقة ، ثم بعد كونه علقة مراتب إلى أن ينفصل من بطن الأم. والله تعالى ترك ذكرها ههنا لأنه ذكرها في آيات أخر ، قال : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي أطفالا (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ)(٣). (قال الزمخشري (٤) : قوله : لتبلغوا أشدّكم) متعلق بفعل محذوف ، تقديره ثم يبعثكم لتبلغوا أشدّكم (٥) ، (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي : أن يصير شيخا ، أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا ثم قال : (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) أي ولتبلغوا جميعا (أَجَلاً مُسَمًّى) وقتا محدودا لا تجاوزونه وهو وقت الموت. وقيل : يوم القيامة ، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته وتستدلوا بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى (٦).
__________________
(١) بالمعنى من الرازي المرجع السابق.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره ٢٧ / ٨٥.
(٣) ذكره في تفسيره المرجع السابق.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) قال : «لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ، متعلق بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك لتكونوا. وأما «وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى» فمعناه ونفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى وهو وقت الموت» الكشاف ٣ / ٤٣٦.
(٦) السابق وانظر البغوي ٦ / ١٠٢.