وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ)(٨١)
قوله تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) لما زيّف طريقة المجادلين في آيات الله تعالى أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبر على أذاهم بسبب جدالهم ، ثم قال : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ). والمراد ما وعد الرسول نصرته ، ومن إنزال العذاب على أعدائه.
قوله : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) قال الزمخشري : أصله : فإن نرك و «ما» مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، ولذلك ألحقت النون بالفعل ، ألا تراك تقول : «إن تكرمنّي أكرمك ، ولكن إمّا تكرمنّي أكرمك» (١) قال أبو حيان : «وما ذكره (٢) من تلازم النون ، وما الزائدة ، ليس مذهب سيبويه ، إنما هو مذهب المبرد (٣) ، والزجاج (٤).
ونص سيبويه (٥) على التخيير ، وقد تقدمت هذه القواعد مستوفاة.
قوله : (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ليس جوابا للشرط الأول ، بل جوابا لما عطف عليه. وجواب الأول محذوف. (قال الزمخشري (٦) : «فإلينا» متعلق بقوله «نتوفّينّك» وجواب نرينك محذوف) تقديره : فإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب والقتل يوم بدر ، فذاك ؛ وإن «نتوفّينّك» قبل يوم بدر (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) فننتقم منهم أشدّ الانتقام (٧). وقد تقدم مثل هذا في سورة يونس (٨). وبحث أبي حيّان معه.
وقال أبو حيان ههنا : وقال بعضهم (٩) : جواب «إما نرينك» محذوف ؛ لدلالة
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٤٣٧.
(٢) بالمعنى في البحر المحيط ٧ / ٤٧٧.
(٣) لم أجد في المقتضب ما يخالف فيه المبرد سيبويه في هذه المسألة ، وكما أفهم بذلك محقق هذا الكتاب وقد قال في الكامل : «فتقول : إن تأتني آتك ، وإمّا تأتنّي آتك ..» الكامل ١ / ٢٨٩ ، وانظر المقتضب أيضا ٣ / ١٣ ، ١٤ ، ١٩.
(٤) ذكره السيوطي في الهمع ٢ / ٧٨ ، وقد قال الزجاج في معاني القرآن ١ / ٨٦ : «وإعراب إما في هذا الموضع إعراب حرف الشرط والجزاء ، إلا أن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة ، أو الخفيفة لزمتها ما». معاني القرآن له ٨٦١.
(٥) قال في الكتاب : «ومن مواضعها ـ أي النون ـ حرف الجزاء ، إذا وقعت بينها وبين الفعل «ما» للتوكيد وذلك لأنهم شبهوا «ما» باللام التي في لتفعلنّ لما وقع التوكيد قبل الفعل ألزموا النون آخره كما ألزموا هذه اللام وإن شئت لم تفخم النون ، كما أنك إن شئت لم تجىء بها» الكتاب ٣ / ٥١٤ ، ٥١٥.
(٦) ما بين القوسين سقط من أالأصل.
(٧) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٣٨ قال : قلت : فإلينا يرجعون متعلق ب «نتوفينك» وجزاء «نرينّك» محذوف ... الخ.
(٨) يقصد الآية ٤٦ «وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ».
(٩) لعله الطبري فما في جامع البيان موافق لما نقله في البحر. انظر البحر ٧ / ٤٧٧ وجامع البيان للإمام ابن جرير الطبري ٢٥ / ٥٦.