المعنى عليه أي فتقرّ عينك ، ولا يصح أن يكون (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) جوابا للمعطوف عليه والمعطوف ، لأن تركي ب «فإما نرينك بعض الذي نعدهم في حياتك فإلينا يرجعون» ليس بظاهر ، وهو يصحّ أن يكون جواب (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أي فإلينا يرجعون فننتقم منهم ونعذبهم ، لكونهم لم يتّبعوك (١).
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) [الزخرف : ٤١ و ٤٢]. إلا أنه هنا صرح بجواب الشرط ، قال شهاب الدين : وهذا (٢) بعينه هو قول الزمخشري (٣). وقرأ السّلميّ ويعقوب : يرجعون بفتح ياء الغيبة مبنيا للفاعل ، وابن مصرف ويعقوب أيضا بفتح الخطاب (٤).
قول : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا) يجوز أن يكون «منهم» صفة «لرسلا» فيكون (مَنْ قَصَصْنا) فاعلا لاعتماده ويجوز أن يكون خبرا مقدما ، و «من» مبتدأ مؤخر.
ثم في الجملة وجهان :
أحدهما : الوصف «لرسلا» وهو الظاهر.
والثاني : الاستئناف (٥).
فصل
معنى الآية قال لمحمد (ـ صلىاللهعليهوسلم (٦) ـ) ، أنت كالرسل من قبلك وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين وليس فيهم أحد أعطاه الله آيات ومعجزات ، إلا وقد جادله قومه فيها وكذّبوه فصبروا ، وكانوا أبدا يقترحون على الأنبياء إظهار المعجزات الزائدة على الحاجة عنادا وعبثا ، «وما كان لرسول أن يأتي بآية إلّا بإذن الله» ، والله تعالى علم الصلاح في إظهار ما أظهروه ، فلم يقدح ذلك في نبوّتهم ، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحا لا جرم ما أظهرناها (٧).
ثم قال : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) أي فإذا جاء قضاء الله بين الأنبياء والأمم قضي بالحق (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) وهم المعاندون الذين يجادلون في آيات الله فيقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة تعنتا وعبثا.
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ ...) الآية. لما ذكر الوعيد عاد إلى ذكر
__________________
(١) البحر المحيط السابق.
(٢) الدر المصون ٤ / ٧١٢.
(٣) وأبو حيان قد نقل هذا القول أيضا في بحره السابق وانظر الكشاف ٣ / ٤٣٨.
(٤) لم أجد هاتين القراءتين في المتواتر ، فقد نقل الأولى صاحب الإتحاف ٣٨٠ فهي من الأربع فوق العشر ونقل الاثنتين أبو حيان في البحر ٧ / ٤٧٧.
(٥) ذكر هذه الإعرابات العكبري في التبيان ١١٢٢ والسمين في الدر ٤ / ٧١٢.
(٦) زيادة من أ.
(٧) الرازي ٢٧ / ٨٨ ، ٨٩.