قوله (بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) فيه أوجه :
أحدها : أنه تهكم بهم ، والمعنى ليس عندهم علم (١).
الثاني : أن ذلك جاء على زعمهم أنّ عندهم علما ينتفعون (٢) به.
الثالث : أن «من» بمعنى بدل أي بما عندهم من الدنيا بدل العلم.
الرابع : أن يكون الضمير للرسل ، أي فرح الرسل بما عندهم من العلم.
الخامس : أن الأول للكفار ، وأما الثاني للرسل ، ومعناه فرح الكفار فرح ضحك واستهزاء بما عند الرسل من العلم ؛ إذ لم يأخذوه بقبول ويمتثلوا أوامر الوحي ونواهيه (٣). وقال الزمخشري : ومنها ـ أي من الوجوه ـ أن يوضع قوله : فرحوا بما عندهم من العلم مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والمسرة مع تهكم بفرط خلوّهم من العلم (٤) وجهلهم.
قال أبو حيان : ولا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام ، نحو : «شرّ أهرّ ذا ناب» على خلاف فيه ، ولما آل أمره إلى الإثبات المحصور جاز. وأما في الآية فينبغي أن لا يحمل على القليل لأن في ذلك تخليطا لمعاني الجمل المتباينة (٥).
فصل
قال المفسرون (٦) : الضمير في قوله «فرحوا» يحتمل أن يكون عائدا على الكفار وأن يكون عائدا إلى الرسل فإن عاد إلى الكفار ، فذلك العلم الذي فرحوا به قيل : هو الأشياء التي كانوا يسمونها علما ، وهي الشبهات المحكيّة عنهم في القرآن ، كقولهم : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤] وقولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٨٤] وقولهم : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس : ٧٨] (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) [الكهف : ٣٦] وكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء ، كما قال : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون : ٥٣] و [الروم : ٣٢] وقيل : المراد (٧) علوم الفلاسفة فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغّروا علوم الأنبياء عن علومهم كما روي عن سقراط أن سمع بمجيء أحد الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فقيل له : لو هاجرت إليه فقال : نحن قوم مهتدون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا. وقيل : المراد علمهم
__________________
(١) السابقين أيضا والأسبقية للزمخشري وعنه أخذ أبو حيان.
(٢) قال السمين في الدر ٤ / ٧١٤.
(٣) قال بهذين الوجهين أبو حيان في البحر ٧ / ٤٧٩.
(٤) في الكشاف العلماء وانظر الكشاف ٣ / ٤٣٩.
(٥) البحر المرجع السابق.
(٦) يعني بهم الرازي.
(٧) هذا هو رأي الزمخشري وممن نقله عنه الرازي في تفسيره ، انظر الكشاف ٣ / ٤٣٩ والرازي ٢٧ / ٩١.