(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٩٥)
(إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ) بالبؤس والفقر (وَالضَّرَّاءِ) بالضر والمرض لاستكبارهم عن اتباع نبيهم وتعززهم عليه (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) أى أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة والرخاء والصحة والسعة كقوله (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ)(حَتَّى عَفَوْا) كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم ، من قولهم : عفا النبات وعفا الشحم والوبر ، إذا كثرت. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «وأعفوا اللحى» (١) وقال الحطيئة :
بِمُسْتَأسِدِ القرْيَانِ عَافَ نَبَاتُهُ (٢)
وقال :
ولكنّا نعضّ السّيف منها |
|
بأسوق عافيّات الشّحم كوم (٣) |
__________________
(١) تقدم في البقرة.
(٢) فان نظرت يوما بمؤخر عينها |
|
إلى علم في الغور قالت أبعد |
بأرض ترى فرخ الحبارى كأنها |
|
بها راكب موف على ظهر قردد |
بمستأسد القريان عاف نباته |
|
تساقطنى والرحل من صوت هدد |
لحطيئة. ومؤخر العين ـ كمؤمن ـ : جانبها. والعلم : الجبل والعلامة في الطريق. والغور : الموضع الغائر المنخفض. وقالت له «ابعد» مجاز عن تركها إياه بسرعة ، فيبعد عنها. والحبارى : طير يهوى الجبال ، وفرخها يسمى النهار. وفرخ الكروان يسمي الليل. والموفى : المشرف. والقردد ـ كهدهد ـ المكان الغليظ المرتفع. والمستأسد : النبات القوى الغليظ الطويل ، كما سمى السبع أسداً لقوته. والقريان ـ بالضم ـ جمع قرى كفعيل : مجرى الماء الذي يجمعه إلى الروض. والعافي الكثير ، يصف ناقته بسرعة السير وأنها لخوفها في ذلك الطريق لا نتمكن من تمام النظر إلى أعلامه ، فإذا لمحت فيه شبحاً أسرعت مبعدة عنه في أرض مجهل ، كأن فرخ الحبارى فيها راكب مشرف فوق مكان مرتفع. وقوله «بمستأسد» بدل من قوله «بأرض» أو متعلق بتساقطنى. والمعنى : أنه لا فرق عندها بين الحزن والسهل في نبات الغدران حال كثرته ، ترديني مع رحلها لسرعة سيرها من خوفها من صوت هدهد واحد. وعلى الأول ، تساقطني حال من فاعل «قالت» أو جواب الشرط ، وقالت له : ابعد ، صفة علم. وعبر بالتساقط ، لأن المعنى : كلما تمكنت حركتنى ، حتى أكاد أسقط.
(٣) إذا ما درها لم يقر ضيفا |
|
ضمن له قراه من الشحوم |
فلا تتجاوز العضلات منها |
|
إلى البكر المعازب والكروم |
ولكنا لعض السيف منها |
|
بأسوق عافيات الشحم كوم |