معنى (أَوَلَمْ يَهْدِ) كأنه قيل : يغفلون عن الهداية ، ونطبع على قلوبهم. أو على يرثون الأرض أو يكون منقطعاً بمعنى : ونحن نطبع على قلوبهم. فإن قلت : هل يجوز أن يكون (وَنَطْبَعُ) بمعنى وطبعنا ، كما (لَوْ نَشاءُ) بمعنى : لو شئنا ، ويعطف على أصبناهم؟ قلت : لا يساعد عليه المعنى؟ لأن القوم كانوا مطبوعا على قلوبهم موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذنوب والإصابة بها. وهذا التفسير يؤدى إلى خلوهم عن هذه الصفة ، وأن الله تعالى لو شاء لا تصفوا بها.
(تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ)(١٠١)
(تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) كقوله (هذا بَعْلِي شَيْخاً) في أنه مبتدأ وخبر وحال ويجوز أن يكون (الْقُرى) صفة لتلك و (نَقُصُ) خبرا ، وأن يكون (الْقُرى نَقُصُ) خبرا بعد خبر. فإن قلت : ما معنى (تِلْكَ الْقُرى) حتى يكون كلاما مفيدا؟ قلت : هو مفيد ، ولكن بشرط التقييد بالحال كما يفيد بشرط التقييد بالصفة في قولك : هو الرجل الكريم. فإن قلت : ما معنى الإخبار عن القرى بنقص عليك من أنبائها؟ قلت : معناه أنّ تلك القرى المذكورة نقص عليك بعض أنبائها ولها أنباء غيرها لم نقصها عليك (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) عند مجيء الرسل بالبينات بما كذبوه من آيات الله من قبل مجيء الرسل أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أوّلا حين جاءتهم الرسل ، أى استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إليهم إلى أن ماتوا مصرّين ، لا يرعوون ولا تلين شكيمتهم في كفرهم وعنادهم مع تكرر المواعظ عليهم وتتابع الآيات. ومعنى اللام تأكيد النفي وأنّ الإيمان كان منافياً لحالهم في التصميم على الكفر. وعن مجاهد : هو كقوله (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ). (كَذلِكَ) مثل ذلك الطبع الشديد نطبع على قلوب الكافرين.
(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(١٠٢)
__________________
ـ بالذنوب أو العقوبة عليها ، ولكنه أنكى أنواع العذاب وأبلغ صنوف العقاب. وكثيرا ما يعاقب الله على الذنب بالإيقاع في ذنب أكبر منه وعلى الكفر بزيادة التصميم عليه والغلو فيه ، كما قال تعالى : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) كما زادت المؤمنين إيمانا إلى إيمانهم. وهذا النوع من الثواب والعقاب مناسب لما كان سببا فيه وجزاء عليه ، فثواب الايمان إيمان وثواب الكفر كفر. وإنما الزمخشري يحاذوا من هذا الوجه دخول الطبع في مشيئة الله تعالى. وذلك عنده محال ، لأنه قبيح والله عنه متعال ، وأنى يتم الفرار من الحق. وكم من آية صرحت بوقوع الطبع من الله ، فضلا عن تعلق المشيئة به.