خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)(٥٨)
(نُهِيتُ) صرفت وزجرت ، بما ركب فىّ من أدلة العقل ، وبما أوتيت من أدلة السمع عن عبادة ما تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) وفيه استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا فيه على غير بصيرة (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) أى لا أجرى في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل ، وهو بيان للسبب الذي منه وقعوا في الضلال ، وتنبيه لكل من أراد إصابة الحق ومجانبة الباطل (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أى إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال وما أنا من الهدى في شيء يعنى أنكم كذلك. ولما نفى أن يكون الهوى متبعا نبه على ما يجب اتباعه بقوله (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) ومعنى قوله (إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) : إنى من معرفة ربى وأنه لا معبود سواه ، على حجة واضحة وشاهد صدق (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أنتم حيث أشركتم به غيره. يقال : أنا على بينة من هذا الأمر وأنا على يقين منه ، إذا كان ثابتا عندك بدليل. ثم عقبه بما دل على استعظام تكذيبهم بالله وشدة غضبه عليهم لذلك وأنهم أحقاء بأن يغافصوا (١) بالعذاب المستأصل فقال (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) يعنى العذاب الذي استعجلوه في قولهم (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) في تأخير عذابكم (يَقُصُّ الْحَقَ) أى القضاء الحق في كل ما يقضى من التأخير والتعجيل في أقسامه (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أى القاضين. وقرئ : يقص الحق (٢) أى يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدّره ، من قصر أثره (لَوْ أَنَّ عِنْدِي) أى في قدرتي وإمكانى (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من العذاب (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) لأهلكتكم عاجلا غضبا لربي وامتعاضا (٣) من تكذيبكم به. ولتخلصت منكم سريعا (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) وبما يجب في الحكمة من كنه عقابهم. وقيل (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) على حجة من جهة ربى وهي القرآن (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أى بالبينة. وذكر الضمير على تأويل البيان أو القرآن. فإن قلت : بم انتصب الحق؟ قلت : بأنه صفة لمصدر يقضى ، أى يقضى القضاء الحق. ويجوز أن يكون مفعولا به من قولهم : قضى الدرع إذا صنعها ، أى يصنع الحق ويدبره. وفي قراءة عبد الله : يقضى بالحق. فإن قلت : لم أسقطت الياء في الخط؟ قلت : اتباعا للخط اللفظ ، وسقوطها في اللفظ لالتقاء الساكنين.
__________________
(١) قوله «يغافصوا» أى يؤاخذوا على غفلة. يقال : غافصت الرجل أخذته على غرة اه (ع)
(٢) قوله «وقرئ يقص الحق» ظاهره أن قراءة (يَقُصُ) من القضاء ، هي المشهورة. فليحرر. (ع)
(٣) قوله «وامتعاضا» الامتعاض : امتداد الغضب. أفاده الصحاح. (ع)