(ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما. يقال لليوم الشديد : يوم مظلم ، ويوم ذو كواكب ، أى اشتدت ظلمته حتى عاد كالليل ، ويجوز أن يراد. ما يشفون (١) عليه من الخسف في البر والغرق في البحر بذنوبهم ، فإذا دعوا وتضرعوا كشف الله عنهم الخسف والغرق فنجوا من ظلماتهما (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) على إرادة القول (مِنْ هذِهِ) من هذه الظلمة الشديدة. وقرئ (يُنَجِّيكُمْ) بالتشديد والتخفيف. وأنجانا. وخفية ، بالضم والكسر.
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٦٧)
(هُوَ الْقادِرُ) هو الذي عرفتموه قادراً وهو الكامل القدرة (عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة ، وأرسل على قوم نوح الطوفان (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) كما أغرق فرعون وخسف بقارون ، وقيل من فوقكم : من قبل أكابركم وسلاطينكم.
ومن تحت أرجلكم : من قبل سفلتكم وعبيدكم. وقيل : هو حبس المطر والنبات (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى ، كل فرقة منكم مشايعة لإمام. ومعنى خلطهم : أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال ، من قوله :
وكتيبة لبستها بكتيبة |
|
حتّى إذا التبست نفضت لها بدى (٢) |
__________________
(١) قوله «ما يشفون عليه» أى يشرفون ويقربون. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) وكتيبة لبستها بكتيبة |
|
حتى إذا التبست نفضت لها يدي |
فتركتهم تقص الرماح ظهورهم |
|
من بين منعقر وآخر مسند |
ما كان ينفعني مقال نسائهم |
|
وقتلت دون رجالها لا تبعد |
للفرار السلمي ، يمدح نفسه بأنه مهياج للشر يعرف مداخله ومخارجه. يقول : رب جماعة خلطتها بأخرى ، حتى إذا تم اختلاطهما تخلصت منهما وتركتهما في حيص بيص ، لكن فيه إثبات طرف من اللؤم ، ونفض اليد : كناية عن التخلص. والوقص : الدق والكسر. والمنعقر : المجروح بالسهم ، فتنقطع قوته من العقر وهو القطع. ويروى : منعفر ، بالفاء أى متعفر بالتراب. والمسند : اسم مفعول ، أى دابرين بين ساقط ومتكئ على غيره ، ولا تبعد : مقول المقال ، وهو بفتح العين أى لا تهلك ، وهي كلمة تقولها النساء عند المصيبة. وقوله «وفتلت» حال ، أى والحال أنى قد قتلت دون رجال تلك النساء ، أى أمامهم ، أو من بينهم لكفايتى عنهم. أى لو صبرت لقتلت ، ولم يحينى كلام نسائهم وتفجعهم على مع سلامة رجالهن. (٣ ـ كشاف ـ ٢)