الإسلام لعباً ولهواً ، حيث سخروا به واستهزؤا. وقيل : جعل الله لكل قوم عيداً يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله والناس كلهم من المشركين وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لعباً ولهواً ، غير المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم كما شرعه الله. ومعنى «ذرهم» اعرض عنهم ، ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم (وَذَكِّرْ بِهِ) أى بالقرآن (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ) مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسها. وأصل الإبسال المنع ، لأن المسلم إليه يمنع المسلم ، قال :
وإبسالى بنىَّ بغير جرم |
|
بعوناه ولا بدم مراق (١) |
ومنه : هذا عليك بسل ، أى حرام محظور. والباسل : الشجاع لامتناعه من قرنه ، أو لأنه شديد البسور. يقال : بسر الرجل إذا اشتدّ عبوسه ، فإذا زاد قالوا : بسل. والعابس :
منقبض الوجه (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) وإن تفد كل فداء ، والعدل الفدية (٢) لأن الفادي يعدل المفدى بمثله. وكلّ عدل : نصب على المصدر. وفاعل (يُؤْخَذْ) قوله (مِنْها) لا ضمير العدل لأنّ العدل هاهنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ. وأما في قوله تعالى (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) فبمعنى المفدىّ به ، فصحّ إسناده إليه (أُولئِكَ) إشارة إلى المتخذين دينهم لعباً ولهواً. قيل : نزلت في أبى بكر الصديق رضى الله عنه حين دعاه ابنه عبد الرحمن إلى عبادة الأوثان (٣).
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ
__________________
(١) لعوف بن الأحوص الباهلي. والابسال : التسليم للباسل أى الشجاع المانع العابس. والبعو : بالعين المهملة ـ الجناية. يتحسر على تسليم أبنائه لبنى قشير رهنا في دم رجل منهم اسمه أبو الصحيفة ، بغير جرم : أى ذنب جنيناه أنا وأولادى ، ولا بدم مراق أى مسال منا ، كناية عن القتل.
(٢) قال محمود : «معناه وإن تفد كل فداء والعدل الفدية ... الخ» قال أحمد : وهذا أيضا من عيون إعرابه ونكت إغرابه التي طالما ذهل عنها غيره ، وهو من جنس تدقيقه في منع عود الضمير من قوله (فَتَنْفُخُ فِيها) إلى الهيئة من قوله (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) مع أنه السابق إلى الذهن ، وإنما حمله على القول بأن العدل هاهنا مصدر أن الفعل تعدى إليه بغير واسطة ، ولو كان المراد المفدى به لكان مفعولا به ، فلم يتعد إليه الفعل إلا بالباء ، وكان وجه الكلام : وإن تعدل بكل عدل ، فلما عدل عنه علم أنه مصدر ، والله أعلم.
(٣) قال محمود : «نزلت في أبى بكر رضى الله عنه حين دعاه ابنه عبد الرحمن إلى عبادة الأوثان ... الخ» قال أحمد : ومن أنكر الجن واستيلاءها على بعض الأناسى بقدرة الله تعالى حتى يحدث من ذلك الخبطة والصرع ونحوهما ، فهو ممن استهوته الشياطين في مهامه الضلال الفلسفي ، حيران له أصحاب من الموحدين يدعونه إلى الهدى الشرعي ائتنا ، وهو راكب في ضلالة التعاسيف لا يلوى عليهم ولا يلتفت إليهم ، فمرة يقول : إن الوارد في الشرع من ذلك تخييل ، كما تقدم في سورة البقرة. ومرة يعده من زعمات العرب وزخارفها. وقد أسلفنا ذلك في البقرة وآل عمران قولا شافيا بليغا ، فجدد به عهداً ، والله الموفق.