سورة الحجر
مكية [إلا آية ٨٧ فمدنية]
وهي تسع وتسعون آية [نزلت بعد سورة يوسف]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ)(١)
(تِلْكَ) إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات. والكتاب ، والقرآن المبين : السورة. وتنكير القرآن للتفخيم. والمعنى : تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتاباً وأى قرآن مبين ، كأنه قيل : الكتاب الجامع للكمال والغرابة في البيان.
(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(٣)
قرئ : ربما ، وربتما. بالتشديد. وربما ، وربما : بالضم والفتح مع التخفيف. فإن قلت : لم دخلت على المضارع وقد أبوا دخولها إلا على الماضي؟ قلت : لأن المترقب في إخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه ، فكأنه قيل : ربما ودّ. فإن قلت : متى تكون ودادتهم؟ قلت : عند الموت ، أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين. وقيل : إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار ، وهذا أيضاً باب من الودادة. فإن قلت : فما معنى التقليل؟ (١) قلت : هو وارد على
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت : ما معنى تقليل ودادتهم ... الخ»؟ قال أحمد : لا شك أن العرب تعبر عن المعنى بما يؤدى عكس مقصوده كثيراً ، ومنه قوله :
قد أترك القرآن مصفراً أنامله
وإنما يمتدح بالإكثار من ذلك ، وقد عبر بقد المفيدة للتقليل ، ومنه والله أعلم. (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ) والمقصود توبيخهم على أذاهم لموسى عليه السلام على توفر علمهم برسالته ومناصحته لهم ، وقد اختلف توجيه علماء البيان لذلك ، فمنهم من وجهه بما ذكره الزمخشري آنفا من التنبيه بالأدنى على الأعلى ، ومنهم من وجهه بأن المقصود في ذلك الإيذان بأن المعنى قد بلغ الغاية حتى كاد أن يرجع إلى الضد ، وذلك شأن كل ما انتهى لنهايته أن يعود إلى عكسه. وقد أفصح أبو الطيب ذلك بقوله :