بعده (١) يعني من قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) ولا يجوز أن يكون مراده قوله (مِنْ قَبْلُ) إذ الظرف ناقص فلا يخبر به.
قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (٥٣)
قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) العامة على النصب على الاشتغال ، وكذلك قوله : (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) والتقدير : وبنينا السّماء بنيناها. وقال أبو البقاء : أي ورفعنا السّماء بنيناها (٢) فقدر الناصب من غير لفظ الظاهر. وهذا إنما يصار إليه عند تعذر التقدير الموافق لفظا نحو : زيد مررت به ، وزيد ضربت غلامه وأما في نحو : زيدا ضربته ، فلا يقدر إلا ضربت زيدا.
وقرأ أبو السّمّال وابن مقسم برفعهما (٣) ؛ على الابتداء ، والخبر ما بعدهما. والنصب أرجح لعطف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها.
قوله : (بِأَيْدٍ) يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال وفيها وجهان :
أحدهما : أنها حال من فاعل (بَنَيْناها) أي ملتبسين بأيد (٤) أي بقوة ؛ قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) [ص : ١٧].
الثاني : أنه حال من مفعوله أي ملتبسة بقوة. ويجوز أن تكون الباء للسبب أي بسبب قدرتنا. ويجوز أن تكون الباء معدّية مجازا على أن تجعل الأيدي كالآلة المبنيّ بها ، كقولك : بنيت بيتك بالآجرّ.
قوله : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) يجوز أن تكون الجملة حالا من فاعل (بَنَيْناها). ويجوز أن تكون حالا من مفعوله ومفعول «موسعون» محذوف أي موسعون بناءها. ويجوز أن لا يقدر له مفعول ؛ لأن معناه : لقادرون كقولك : ما في وسعي كذا أي ما في طاقتي وقوّتي ؛ كقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] قاله ابن عبّاس وعنه أيضا : لموسعون الرزق على خلقنا.
وقيل : ذو سعة. وقال الضحاك : أغنياء ، دليله قوله تعالى : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ)(٥) [البقرة : ٢٣٦].
__________________
(١) قال : أو على تقدير : أهلكوا. وانظر التبيان السابق.
(٢) السابق أيضا.
(٣) وهي شاذة انظر البحر المحيط ٨ / ١٤٢.
(٤) والفاعل هو «نا» من لفظ «بنيناها».
(٥) وانظر : البغوي ٦ / ٢٤٦.