قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) يعني لجميع خلقه ، وهذا تقرير لعدم طلب الرزق ، وقوله : (ذُو الْقُوَّةِ) تقرير لعدم طلب العمل لأن من يطلب رزقا يكون فقيرا محتاجا ، ومن يطلب عملا يكون عاجزا لا قوة له فكأنه يقول : ما أريد منهم من رزق فإني أنا الرزّاق ، ولا العمل فإني قويّ (١).
وروي أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ قرأ : إنّي أنا الرزّاق (٢) ، وقرأ ابن محيصن : الرّازق(٣) ، كما تقدم في قراءته : «وفي السّماء رازقكم».
قوله : (الْمَتِينُ) العامة على رفعه ، وفيه أوجه :
إما النعت للرزّاق (٤) ، وإما النعت لذو (٥) ، وإما النعت لاسم «إنّ» على الموضع (٦). وهو مذهب الجرميّ والفراء (٧) ، وغيرهما. وإما خبر بعد خبر ، وإما خبر مبتدأ مضمر (٨). وعلى كل تقدير فهو تأكيد ، لأن (ذُو الْقُوَّةِ) يفيد فائدته.
وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش المتين ـ بالجر (٩) ـ فقيل : صفة (الْقُوَّةِ) ، وإنما ذكر وصفها لكون تأنيثها غير حقيقيّ. وقيل : لأنها في معنى الأيد (١٠).
وقال ابن جنّي : هو خفض على الجوار كقولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» يعني أنه صفة للمرفوع ، وإنما جر لما (١١) جار ومجرورا. وهذا مرجوح لإمكان غيره ، والجوار لا يصار إليه إلا عند الحاجة.
فصل
قال تعالى : (ما أُرِيدُ) ولم يقل : إني رازق بل قال على الحكاية عن الغائب إن الله هو الرزّاق فما الحكمة فيه؟.
__________________
(١) وانظر في هذا كله بالمعنى قليلا تفسير الإمام الرازي ٢٨ / ٢٣٥.
(٢) نقل ذلك ابن خالويه في المختصر ١٤٥ ولكن بلفظ مختلف فقد قال : إن الله هو الرازق النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وابن محيصن. وفي الكشاف : وفي قراءة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إني أنا الرازق بلفظ اسم الفاعل كقراءة ابن محيصن. وانظر الكشاف ٤ / ٢١. /
(٣) المرجع السابقة وانظر قراءة ابن محيصن في البحر ٨ / ١٤٣.
(٤ و ٥) قاله القرطبي في الجامع ١٧ / ٥٦.
(٦) التبيان ١١٨٢ وانظر القرطبي السابق.
(٧) معاني القرآن له ٣ / ٩٠.
(٨) القرطبي والتبيان السابقين.
(٩) وهي شاذة ذكرها الفراء في مرجعه السابق وابن جني في المحتسب ٢ / ٢٨٩.
(١٠) قال الفراء في المعاني : «.... وإن كان أنثى في اللفظ فإنه ذهب إلى الحبل وإلى الشيء المفتول».
(١١) قال في المحتسب ٢ / ٢٨٩ : «يحتمل أمرين : أحدهما : أن يكون للقوة فذكره على معنى الحبل ، يريد قوي الحبل لقوله : «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى» * والآخر : أن يكون أراد الرفع وصفا للرزاق إلا أنه جاء على لفظ القوة لجوارها إياه على قولهم : هذا جحر ضبّ خرب».