فصل
قوله : «المتين» ، لأن ذا القوة كما تقدم لا يدل إلا على أن له قوة ما ، فزاد في الوصف المتانة وهو الذي له ثبات لا يتزلزل وهو مع المتين من باب واحد لفظا ومعنى ، فإن معنى متن الشيء هو أصله الذي عليه ثباته والمتن هو الظهر الذي عليه أساس البدن والمتانة مع القوة كالعزّة مع القوي حيث قرن العزة مع القوة في قوله : (لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وقوله : (الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ).
قوله تعالى : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً) قد تقدم الكلام على الفاء في وجه التعلق (١). والمراد بالذين ظلموا : كفار مكة. ومعنى ذنوبا أي نصيبا من العذاب (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد ، وثمود. والذنوب : في الأصل الدلو العظيمة المملوءة ماء ، وفي الحديث الشريف : «فأتي بذنوب من ماء» فإن لم تكن ملأى فهو الدّلو ، ثم عبر به عن النّصيب ، قال علقمة :
٤٥٣٠ ـ وفي كلّ حيّ قد خبطت بنعمة |
|
فحقّ لشأس من نداك ذنوب (٢) |
ويجمع في القلة على أذنبة ، وفي الكثرة على ذنائب. وقال الملك (٣) لما أنشد هذا البيت نعم وأذنبة.
وقال الزمخشري : الذّنوب الدلو العظيمة ، وهذا تمثيل أصله في السّقاة يقتسمون (٤) الماء فيكون لهذا ذنوب لهذا ذنوب (٥) قال الشاعر :
٤٥٣١ ـ لنا ذنوب ولكم ذنوب |
|
فإن أبيتم فلنا القليب (٦) |
__________________
(١) وذلك لأن الله تعالى لما بين أن من يضع نفسه في موضع عبادة غير الله يكون وضع الشيء في غير موضعه فيكون ظالما فقال : إذا ثبت أن الإنس مخلوقون للعبادة فإن الذين ظلموا بعبادة الغير لهم هلاك. وانظر : الرازي السابق ٢٨ / ٢٣٧.
(٢) من الطويل وهو لعلقمة بن عبدة ، والبيت روايته كرواية البحر والكشاف والقرطبي والكتاب ، وروى أبو عبيدة في المجاز ٢ / ٢٢٨ : وفي كل يوم وبنائل. وشاش أخو الشاعر ، وخبطت أسديت وأعطيت. والشاهد في الذنوب فهو الدلو وضربه مثلا في القسم والحظّ وقد تقدم.
وانظر : الكتاب ٤ / ٤٧١ والبحر ٨ / ١٣٢ والكشاف ٤ / ٢١ وشرح شواهده ٤ / ٣٤٥ وشرح شواهد الشافية ٤٩٤ وابن يعيش ٥ / ٤٨ و ١٠ / ٤٨ و ١٥١ والقرطبي ١٧ / ٥٧ وروح المعاني ٢٧ / ٢٤ ومجمع البيان ٩ / ٢٤٢ والديوان ١٣٢ والوهبية ١٢٣٩.
(٣) والملك الذي يقصده الحارث بن أبي شمر الغسّاني وكان قد أسره.
(٤) كذا في أوفي ب يقسمون وفي الكشاف : يتقسمون.
(٥) وانظر : الكشاف ٤ / ٢١ و ٢٢.
(٦) لم أعرف نسبة هذا البيت لمعين فلم تنسبه المراجع التي رجعت إليها وهو من الرجز ، فالزمخشري لم ينسبه بينما نسب ما قبله إلى عمرو بن شاس وكذلك لم ينسبه الفراء ، والشاهد فيه : ذنوب فهي ـ