وهذا كلام صحيح في نفسه ، إلا أنه ليس في الآية شيء من ذلك ؛ لأن العامل ـ وهو دافع ـ والمعمول ـ وهو يوم ـ كلاهما بعد النافي وفي حيّزه. وقوله : وأوقعت آكلا على هاء أي على ضمير يعود على الطعام فتقول : طعامك ما زيد آكله.
وقد يقال : إن وجه المنع من ذلك خوف الوهم أنه يفهم أن أحدا يدفع العذاب في غير ذلك اليوم. والغرض أن عذاب الله لا يدفع في كل وقت وهذا أمر مناسب قد ذكر مثله كثير ، ولذلك منع بعضهم أن ينتصب (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ) [آل عمران : ٣٠] بقوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران : ٢٩] لئلا يفهم منه ما لا يليق. وهذا أبعد من هذا في الوهم كثير.
وقال أبو البقاء : وقيل : يجوز أن يكون ظرفا لما دل عليه (١) «فويل» انتهى.
وقال ابن الخطيب : والذي أظنه أن العامل هو الفعل المدلول عليه بقوله : (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) ؛ لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم ، لأن (٢) العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحشر ومور السّماء لأنه في معنى قوله : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(٣) [غافر : ٨٥].
فصل
والمور الاضطراب والحركة. يقال : مار الشيء أي ذهب وجاء. وقال الأخفش (٤) وأبو عبيدة تكفأ (٥) وأنشد للأعشى :
٤٥٣٢ ـ كأنّ مشيتها من بيت جارتها |
|
مور السّحابة لا ريث ولا عجل (٦) |
وقال الزمخشري : وقيل : هو تحرك في تموج. وهو الشيء يتردد في عرض كالداغصة (٧) وهي الجلدة التي فوق قفل الركبة (٨). وقال الراغب : المور : الجريان
__________________
(١) التبيان ١١٣٨.
(٢) في الرازي : لكن.
(٣) وانظر الرازي بالمعنى من تفسيره ٢٨ / ٢٤٢.
(٤) لم أجده في المعاني له وإنما نقله عنه القرطبي في الجامع ١٧ / ٦٣.
(٥) المجاز له ٢ / ٢٣١.
(٦) من البسيط له كما في الديوان وفيه : مرّ السحابة. وعليه فلا شاهد فيه وهو من قصيدة يمدح فيها يزيد بن مسهر الشيباني ، وانظر البحر ٨ / ١٤٤ والقرطبي ١٧ / ٦٣ وفتح القدير ٥ / ٩٥ ومجمع البيان ٩ / ٢٤٦ والطبري ٢٧ / ١١ واللسان «مور» والمجاز ٢ / ٢٣١. والشاهد : مور فهو بمعنى الكفء.
وانظر ديوانه ١٤٤.
(٧) هي النكفة ، وقيل : هي عظم مدور يديص ويموج فوق رضف الركبة. وقيل يتحرك على رأس الركبة. وقيل : هي الشحمة التي تحت الجلدة الكائنة فوق الركبة. وانظر اللسان «دغص».
(٨) وانظر الكشاف ٤ / ٢٣.