ويكون من كلام الله تعالى استبعادا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث والوقف على «ما» على هذا التفسير حسن.
فإن قيل : فما ناصب الظرف إذا كان الرّجع بمعنى المرجوع؟.
فالجواب : ما دلّ عليه المنذر من المنذر به وهو البعث (١).
فصل
قال ابن الخطيب : «ذلك» إشارة إلى ما قاله وهو الإنذار ، وقوله : هذا شيء عجيب إشارة إلى المجيء فلما اختلفت الصفتان (٢) نقول : المجيء والجائي كل واحد حاضرا (٣) وأما الإنذار وإن كان حاضرا لكن المنذر به كان جازما على (٤) الحاضر ، فقالوا فيه ذلك (٥). والرجوع مصدر رجع إذا كان متعديا والرجوع مصدر إذا كان لازما وكذلك الرّجعى مصدر عند لزومه. والرجوع أيضا يصحّ مصدرا للّازم فيحتمل أن يكون المراد بقوله : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي رجوع بعيد ، ويحتمل أن يكون المراد : الرّجعى (٦) المتعدّي ، ويدل على الأول قوله تعالى : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) [العبق : ٨] وعلى الثاني قوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) [النازعات: ١٠] أي مرجوعون ؛ فإنه من الرجوع المتعدي.
فإن قلنا : هو من المتعدي فقد أنكروا كونه مقدورا في نفسه (٧).
فصل
قال المفسرون : تقديره : أئذا متنا وكنّا ترابا نبعث ، ترك ذكر البعث لدلالة الكلام عليه : (ذلِكَ رَجْعٌ) أي رد إلى الحياة (بَعِيدٌ) غير كائن أي يبعد أن نبعث بعد الموت.
قوله تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) أي تأكل من لحومهم ودمائهم وعظامهم ، لا يعزب عن علمه شيء. وقال السدي : هو الموت يقول : قد علمنا من يموت منهم ، ومن يبقى (٨).
__________________
(١) مع اختلاف طفيف في العبارة له وانظر الكشاف ٤ / ٤٠.
(٢) كذا في (أ) والرازي وفي (ب) الصّيغتان. وهو الأقرب.
(٣) كذا فيهما وفي الرازي : حاضر وهو الأصح لغة.
(٤) في الرازي : لكن لكون المنذر به لما كان غير حاضر قالوا فيه ذلك.
(٥) وانظر تفسيره ٢٨ / ١٥١.
(٦) في الرازي : الرجع. وقد ذكر صاحب اللسان هذه الأشياء في معجمه رجع قال : ومصدره لازما الرجوع ومصدره واقعا الرّجع يقال : رجعته رجعا فرجع يستوي فيه بلفظ اللازم والواقع ، ثم قال : رجع يرجع رجعا ورجوعا ورجعى ورجعانا ومرجعا ومرجعة. انظر اللسان «رجع» ١٥٩١.
(٧) أي كون الرجع مقدورا في نفسه وانظر تفسير الإمام ٢٨ / ١٥٢.
(٨) ٨١ من سورة يس. وانظر تفسير العلامتين البغوي والخازن ٦ / ٢٣٣ و ٢٣٤.