الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ)(٤٤)
قوله تعالى : (فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) لما بين تعالى أن في الوجود قوما يخافون الله ، ويشفقون في أهلهم والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مأمور بتذكير من يخاف الله تعالى لقوله تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥] فوجب التذكير فلذلك ذكره بالفاء(١).
قوله : (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مقسم به متوسط بين اسم «ما» وخبرها. ويكون الجواب حينئذ محذوفا لدلالة هذا المذكور عليه والتقدير : «ونعمة ربّك ما أنت بكاهن ولا مجنون» (٢).
الثاني : أن الباء في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها : (بِكاهِنٍ) أو (مَجْنُونٍ) والتقدير : ما أنت كاهنا ولا مجنونا ملتبسا بنعمة ربك. قاله أبو البقاء (٣). وعلى هذا فهي حال لازمة ؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يفارق هذه الحال.
الثالث : أن الباء متعلقة بما دل عليه الكلام وهو اعتراض بين اسم «ما» وخبرها والتقدير : ما أنت في حال أذكارك بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون. قاله الحوفيّ (٤). قال شهاب الدين : ويظهر وجه رابع وهو أن تكون الباء سببية وتتعلق حينئذ بمضمون الجملة المنفية. وهذا هو مقصود الآية الكريمة. والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك كما تقول : ما أنت بمعسر بحمد الله وغنائه (٥).
فصل
المعنى «فذكّر» يا محمد أهل مكة بالقرآن (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) أي برحمته وعصمته «بكاهن» مبتدع القول ومخبر بما في غد من غير وحي «ولا مجنون» نزلت في الذين اقتسموا عقاب (٦) مكة يرمون رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالكهانة والسّحر والجنون والشّعر (٧).
__________________
(١) بالمعنى من كلام الرّازيّ ٢٨ / ٢٥٥.
(٢) وهو قول أبي حيان في البحر ٨ / ١٥١ وفي البحر : ما أنت كاهن.
(٣) التبيان ١١٨٤.
(٤) نقله عنه أستاذنا أبو حيان في بحره ، المرجع السابق.
(٥) ذكره في الدر المصون له مخطوط بمكتبة الإسكندرية لوحة رقم ١١٣.
(٦) في البغوي : عقبات وفي الخازن : أعقاب. والعقاب واحدتها عقبة طريق في الجبل وعقاب التي هي أعلى جمع أيضا لعقبة وعقبات جمع أيضا لها ، فلا تعارض بين روايات الكتب. وانظر اللسان «عقب» ٣٠٢٨.
(٧) وانظر البغوي والخازن ٦ / ٢٥٢.