قوله : (بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) العامة على تنوين «حديث» ووصفه ب «مثله». والجحدريّ وأبو السّمّال (بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ)(١) بإضافة حديث إلى «المثل» على حذف موصوف أي بحديث رجل مثله من جنسه.
فصل
قالت المعتزلة : الحديث محدث ، والقرآن سماه حديثا فيكون محدثا.
وأجيبوا : بأن الحديث اسم مشترك يقال للمحدث (٢) والمنقول وهذا يصح أن يقال : هذا حديث قديم أي متقادم العهد ، لا بمعنى سبب الأزلية وذلك لا نزاع فيه.
فإن قيل : الصّفة تتبع الموصوف في التعريف والتنكير والموصوف هنا : «حديث» وهو منكّر ، و «مثله» مضاف إلى «القرآن» والمضاف إلى القرآن معرّف فكيف هذا؟
فالجواب : أن «مثلا» و «غيرا» لا يتعرّفان بالإضافة (٣) ، وكذلك كل ما هو مثله كشبه ، وذلك أن «غيرا ومثلا» وأمثالهما في غاية التنكير ؛ لأنك إذا قلت : «مثل زيد» يتناول كل شيء ، فإن كل شيء مثل زيد في شيء (٤) فالحمار مثله في الجسم والحجم والإمكان والنبات مثله في النّشوء والنّماء والذّبول والفناء ، والحيوان مثله في الحركة والإدراك وغيرها من الأوصاف. وأما «غير» فهو عند الإضافة ينكّر وعند قطع الإضافة ربّما يتعرّف (٥) ؛ فإنك إذا قلت : غير زيد صار في غاية الإبهام ، فإنه يتناول أمورا لا حصر لها ، وأما إذا قطعت «غير» عن الإضافة فربّما يكون الغير والمغايرة من باب واحد وكذلك التّغيّر فتجعل الغير كأسماء الجنس وتجعله مبتدأ أو تريد به معنى معيّنا.
قوله : (أَمْ خُلِقُوا) لا خلاف أن «أم» هنا ليست بمعنى بل لكن أكثر المفسرين على
__________________
(١) وهي قراءة شاذة ذكرها صاحب البحر المحيط بنسبة ٧ / ١٥٢ بينما نسب الإمام القرطبي القراءة إلى الجحدري في ١٧ / ٧٣.
(٢) في ب للحدث وهو تحريف.
(٣) لشدة إبهامها كما سيأتي.
(٤) عبارة الرازي : فإنك إذا قلت : «ما رأيت شيئا مثل زيد» يتناول كل شيء فإن كل شيء مثل زيد في كونه شيئا.
(٥) «غير» اسم ملازم للإضافة في المعنى ، ويجوز أن يقطع عنها لفظا إن فهم المعنى وتقدمت عليها كلمة «ليس» وتستعمل غير المضافة لفظا على وجهين :
أحدهما : وهو الأصل : أن تكون صفة للنكرة نحو (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) أو لمعرفة قريبة منها نحو : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ؛ لأن المعرف الجنسي قريب من النكرة ولأن «غيرا» إذا وقعت بين ضدّين ضعف إبهامها حتى زعم ابن السّراج أنها حينئذ تتعرف وترده الآية الأولى.
الثاني : أن تكون استثناء فتعرب إعراب الاسم التالي إلا في ذلك الكلام. وانظر المغني ١٥٨ و ١٥٧ والأشموني ٢ / ٢٦٦ و ٢٦٧.