أن المراد ما وقع في صدر الكلام من الاستفهام بالهمزة كأنه يقول : «أخلقوا من غير شيء»(١).
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : هو على أصل الوضع للاستفهام الذي يقع في أثناء الكلام وتقديره : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون؟ (٢)
قوله : (مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) يجوز أن تكون «من» لابتداء الغاية على معنى : أم خلقوا من غير شيء حيّ كالجماد فهم لا يؤمرون ولا ينهون كما الجمادات ، وقيل : هي للسّببيّة على معنى من غير علّة (٣) ، ولا لغاية (٤) ثواب ولا عقاب.
فصل
وجه تعلق الآية بما قبلها أنهم لما كذبوا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ونسبوه إلى الكهانة والشّعر والجنون وبرأه الله من ذلك ذكر الدليل على صدقه إبطالا لتكذيبهم وبدأ بأنفسهم فكأنه يقول : كيف تكذبونه (٥) وفي أنفسكم دليل صدقه ، لأن قوله كان في ثلاثة أشياء ، في التوحيد ، والحشر ، والرسالة ففي أنفسهم ما يعلم صدقه وهو أنهم خلقوا وذلك دليل التوحيد لما تقدم أنّ :
في كلّ شيء له آية |
|
تدلّ على أنّه الواحد؟ |
وأما الحشر فلأن الخلق الأول دليل على جواز الخلق الثاني (٦).
فصل
قال المفسرون : معنى الآية : أم خلقوا من غير شيء فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) لأنفسهم وذلك في البطلان أشدّ ؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به. قال هذا المعنى أبو سليمان الخطّابيّ (٧). وقال الزجاج : معناه أخلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمنون (٨) وقال ابن كيسان : أخلقوا عبثا وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون كقول القائل
__________________
(١) أو هل. قاله الرازي في تفسيره ٢٨ / ٢٥٩ ، والقرطبي في الجامع ١٧ / ٧٤.
(٢) الرازي السابق. أقول : ويقصد «بأم» الثانية لا الأولى.
(٣) ذكر هذين الوجهين أبو حيان في البحر ٨ / ١٥٢.
(٤) في ب ولا لقاء ثواب ولا عقاب.
(٥) في ب والرازي يكذبونه بياء الغيبة.
(٦) وانظر تفسير الإمام ٢٨ / ٢٥٩.
(٧) انظر هذا القول في معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٢٥٢. وأبو سليمان الخطّابيّ هو : حمد بن محمد بن إبراهيم أبو سليمان الخطّابي كان حجّة صدوقا ، له من التصانيف غريب الحديث ، شرح البخاري.
مات سنة ٣٨٨ ه انظر بغية الوعاة ١ / ٥٤٧.
(٨) الصحيح أن الزجاج قال بمعنى آخر خلاف هذا المعنى وهذا المعنى المذكور هو رأي نقله في كتاب ـ