أظهرهما : أنه مبتدأ و «بالأفق» خبره (١). والضمير لجبريل أو للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. ثم في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أن هذه الجملة حال من فاعل «استوى» (٢). قاله مكي (٣).
والثاني : أنها مستأنفة. أخبر الله تعالى بذلك.
والثالث : أن «وهو» معطوف على الضمير المستتر في «استوى» (٤) وضمير «استوى» و «هو» إما أن يكونا لله تعالى. وهو قول الحسن (٥). وقيل : ضمير استوى لجبريل و «هو» لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٦). قال البغوي في توجيه هذا القول : أكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا أن يظهروا كناية المعطوف فيه فيقولون : استوى هو وفلان وقلّ ما يقولون : استوى وفلان. ونظير هذا قوله عزوجل : (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) [النمل : ٦٧] عطف «الآباء» على المكنيّ في «كنّا» من غير إظهار «نحن». ومعنى الآية استوى جبريل ومحمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ ليلة المعراج (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) ، وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس (٧).
وقيل : ضمير «استوى» لمحمد و «هو» لجبريل (٨). وهذا الوجه الثاني يتمشى على قول الكوفيين (٩) لأن فيه العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير تأكيد ، ولا فاصل. وهذا الوجه منقول عن الفراء (١٠) والطبري (١١).
وإذا قيل : بأن الضميرين أعني «استوى» و «هو» لجبريل فمعناه قام في صورته التي خلقه الله فيها (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) ، وذلك أن جبريل كان يأتي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين ، فسأله رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يريه نفسه في صورته التي جبل عليها فأراه نفسه مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى وهو جانب المشرق وذلك أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأرض من المغرب ، فخر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مغشيّا عليه فنزل جبريل في
__________________
(١) والجملة حال من فاعل «استوى». وانظر التبيان ١١٨٦ والمشكل ٢ / ٣٣٠.
(٢) وهو قول أبي البقاء السابق أيضا.
(٣) مشكل الإعراب ٢ / ٣٣٠.
(٤) وضعف هذا أبو البقاء في التبيان السابق قال : إذ لو كان كذلك لقال تعالى : فاستوى هو وهو.
(٥) البحر المحيط ٨ / ١٥٧.
(٦) وهو مذهب الجمهور. وانظر البحر والكشف والتبيان المراجع السابقة.
(٧) معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٢٥٦. وهذا الوجه جائز ولكنه قليل ، وانظر معاني القرآن للفراء ٣ / ٩٥.
(٨) نقله في البحر ٨ / ١٥٨.
(٩) رجح الفراء في المعاني القول الأكثر مجئيا حيث يقول : «وأكثر كلام العرب أن يقولوا : استوى هو وأبوه ولا يكادون يقولون : استوى وأبوه. وهو جائز لأن في الفعل مضمرا». انظر المعاني ٣ / ٩٥.
(١٠) معاني القرآن له ٣ / ٩٥.
(١١) جامع البيان له سورة النجم.