ويقال : هو كالقرلّى (١) إن رأى خيرا تدلّى وإن لم يره تولّى (٢).
فصل
في قوله : (دَنا فَتَدَلَّى) وجوه :
أشهرها : أن جبريل ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دنا من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أي بعد ما مد جناحه «وهو بالأفق» عاد إلى الصورة التي كان يعتاد النزول عليها وقرب من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعلى هذا ففي «تدلّى» وجوه :
الأول : فيه تقديم وتأخير أي تدلى من الأفق الأعلى فدنا من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
الثاني : أن الدّنوّ والتّدلّي بمعنى واحد فكأنه قال : دنا فقرب (٣).
وذهب الفراء إلى أن الفاء في قوله : (ف) تدلى بمعنى الواو (٤) ، والتقدير : ثم تدلى جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ودنا ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا قدمت أيّهما شئت ، فقلت : فدنا فقرب ، وقرب فدنا ، وشتمني فأساء ، وأساء فشتمني ؛ لأن الإساءة والشتم شيء واحد (٥) وكذلك قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر : ١] أي انشق القمر واقتربت الساعة.
الثالث : دنا أي قصد القرب من محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتحول عن المكان الذي كان فيه فتدلّى إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
الوجه الثاني : أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ دنا من الخلق والأمة ولان لهم وصار كواحد منهم فتدلى أي تدلى إليهم بالقول اللّين والدعاء بالرفق فقال : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) [الكهف : ١١٠].
الوجه الثالث : دنا منه ربه فقرب منه منزلته كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حكاية عن ربه تعالى : «من تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا ، ومن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا ومن مشى إليّ أتيته هرولة» وهذا إشارة إلى المنع المجازي.
قوله : (فَكانَ قابَ) ها هنا مضافان محذوفان يضطرّ لتقديرهما أي فكان مقدار مسافة قربه منه مقدار مسافة قاب.
وقد فعل أبو علي هذا في قول الشاعر :
__________________
ـ إنه تدلى من رأس جبل على خلية عسل ليشتارها بحبل شده في وتد أثبته في رأس الجبل. وانظر البيت عجزا في الكشاف ٤ / ٢٨ ، واللسان «سبب»
(١) طائر صغير.
(٢) وانظر الكشاف ٤ / ٢٨.
(٣) انظر الرازي ٢٨ / ٢٨٥ و ٢٨٦.
(٤) الظاهر أنه يقصد (ثم).
(٥) بالمعنى من معاني الفراء ٣ / ٩٥.