محمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ مقدار قوسين. وقال مجاهد : معناه حيث الوتر من القوس وهذا إشارة إلى تأكيد القرب ، والأصل فيه أن الخليفتين (١) من العرب كانا إذا تعاقدا على الصفاء والعهد خرجا بقوسهما فألصقاه بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه. وقال عبد الله بن مسعود : قاب قوسين قدر ذراعين.
وهو قول سعيد بن جبير ، وشقيق بن سلمة ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء (أَوْ أَدْنى) بل أقرب (٢).
وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بالقاب (٣).
قوله : (فَأَوْحى) أي أوحى الله وإن لم يجر له ذكر لعدم اللبس (إِلى عَبْدِهِ) محمد. وقوله (ما أَوْحى) أبهم تعظيما له ورفعا من شأنه. وبهذه الآية استدل ابن مالك على أنه لا يشترط في الصلة أن تكون معهودة (٤) عند المخاطب.
ومثله : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) [طه : ٧٨] إلا أن هذا الشرط هو المشهور عند النحويين (٥). والوحي هو إلقاء الشيء بسرعة ومنه : الوحاء الوحاء (٦).
فصل
في فاعل (أوحى) الأول وجهان :
أحدهما : أن الله تعالى أوحى. وعلى هذا ففي «عبده» وجهان :
أحدهما : أنه جبريل أي أوحى الله إلى جبريل ، وعلى هذا (أيضا) (٧) ففي فاعل أوحى «الأخير» وجهان :
أحدهما : أنه الله تعالى أيضا. والمعنى حينئذ فأوحى الله تعالى إلى جبريل الذي أوحاه (الله) (٨) أبهمه تفخيما وتعظيما للموحي.
ثانيهما : فاعل (أوحى) الثاني جبريل أي أوحى إلى جبريل ما أوحى جبريل. وعلى هذا فالمراد من الذي أوحى جبريل ـ عليه (الصلاة) (٩) والسلام ـ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مبنيا وهو الذي أوحى جبريل إلى محمد (صلىاللهعليهوسلم) (١٠).
__________________
(١) كذا في النسختين وفي البغويّ : الحليفتين. وهو الأقرب والمراد.
(٢) وانظر في هذا تفسير العلامتين البغوي والخازن في معالم التنزيل ولباب التأويل ٦ / ٢٥٧.
(٣) قاله القرطبي في الجامع ١٧ / ٩٠.
(٤) إلا أن هذا غير لازم ؛ لأن الموصول قد يراد به معهود فتكون صلته معهودة كقوله تعالى : «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ».
(٥) وانظر همع الهوامع للعلامة السيوطي ١ / ٨٥.
(٦) يمد ويقصر ، ومعناه البدار البدار.
(٧) زيادة للسياق.
(٨) سقط من (ب).
(٩) زيادة من (أ).
(١٠) زيادة من (أ).