فصل
المعنى أفتجادلونه أي كيف تجادلونه على ما يرى ، وذلك أنهم جادلوه حين أسري به فقالوا : صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه والمعنى أفتجادلونه جدالا ترومون به دفعه عما رآه وعلمه وتيقّنه (١).
فإن قيل : هلا قيل : أفتمارونه على ما رأى بصيغة الماضي لأنهم إنما جادلوه حين أسري به كما تقدم وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع؟ فالجواب : أن التقدير أفتمارونه على ما يرى فكيف وهو قد رآه في السماء فماذا تقولون فيه؟ (٢).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(١٨)
قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) في نصب نزلة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها منصوبة على الظرف ؛ قال الزمخشري : نصب الظرف الذي هو «مرّة» ؛ لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها (٣). قال شهاب الدين : وهذا ليس مذهب البصريين وإنما هو مذهب الفرّاء (٤) نقله عنه مكي (٥).
الثاني : أنها منصوبة نصب المصدر الواقع موقع الحال (٦) ، قال مكي : أي رآه نازلا نزلة أخرى. وإليه ذهب الحوفيّ وابن عطيّة (٧).
الثالث : أنه منصوب على المصدر المؤكد ، فقدره أبو البقاء مرّة أخرى أو رؤية أخرى(٨).
قال شهاب الدين : وفي تأويل نزلة «برؤية» نظر ، و «أخرى» تدل على سبق رؤية
__________________
ـ والكشاف في المرجعين السابقين ومختصر ابن خالويه ١٤٦. وقد نقل أبو حيان عن أبي حاتم تغليط تلك القراءة ولم يبين كل منهما وجه الغلط ، وانظر تلك الاشتقاقات في اللسان (مرا) والكشف ٢ / ٢٩٤ و ٢٩٥.
(١) قال بذلك البغوي والخازن والقرطبي في تفاسيرهم السابقة.
(٢) بالمعنى من الرازي ٢٨ / ٢٩٠ و ٢٩١.
(٣) قال : أي نزل عليهالسلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها وذلك ليلة المعراج. وانظر الكشاف ٤ / ٢٩.
(٤) معاني القرآن له ٣ / ٩٧.
(٥) قال في المشكل ٢ / ٣٣١ : وهو عند الفراء نصب لأنه في موضع الظرف إذ معناه مرة أخرى.
(٦) قال بذلك صاحب التبيان ١١٨٧ والقرطبي ١٧ / ٩٤.
(٧) البحر ٨ / ١٥٩ ولكن أبا البقاء قال بالمصدر وأطلق.
(٨) المرجع السابق.