قبلها (١) و (عِنْدَ سِدْرَةِ) ظرف ل «رآه» و (عِنْدَها جَنَّةُ) جملة ابتدائية في موضع الحال (٢) ، والأحسن أن يكون الحال الظرف و (جَنَّةُ الْمَأْوى) فاعل به. والعامة على (جنّة) اسم مرفوع. وقرأ أمير المؤمنين وأبو الدّرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزرّ بن حبيش ومحمد بن كعب (جنّه) فعلا ماضيا (٣). والهاء ضمير المفعول يعود للنبي صلىاللهعليهوسلم.
والمأوى فاعل بمعنى ستره إيواء الله تعالى. وقيل : المعنى ضمّه المبيت والليل ، وقيل : جنّه بظلاله ودخل فيه. قال ابن الخطيب : والضمير في قوله (عندها) على هذه القراءة عائد إلى النزلة أي عند النزلة جنّ محمدا المأوى.
والصحيح أنه عائد إلى السّدرة (٤). وقد ردت عائشة ـ (رضي الله عنها) (٥) هذه القراءة وتبعها جماعة وقالوا أجنّ الله من قرأها (٦). وإذا ثبتت قراءة عن مثل هؤلاء فلا سبيل (٧) إلى ردّها ولكن المستعمل إنما هو أجنّه رباعيا فإن استعمل ثلاثيا تعدى بعلى كقوله تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ).
وقال أبو البقاء : وهو شاذ والمستعمل أجنّه (٨). وقد تقدم الكلام على هذه المادة في الأنعام (٩).
فصل
والواو في (ولقد) يحتمل أن تكون عاطفة ، ويحتمل أن تكون للحال أي كيف
__________________
(١) الدر المصون له مكتبة البلدية بالإسكندرية تحت رقم ١٣١٢ لوحة رقم ١١٢ و ١١٣.
(٢) قال بتلك الإعرابات صاحب التبيان في مرجعه السابق.
(٣) قراءة شاذة ذكرها الإمام أبو الفتح في المحتسب ٢ / ٢٩٣ ، وابن خالويه في المختصر ١٤٦ ، وإن كان الناسخ قد ضبطها خطأ حيث جعلها تاء لا هاء. وهو خلاف المراد. انظر المختصر ١٤٦. وقد وردت تلك القراءة فيما نقله أبو الفتح عن أبي حاتم فيما نقله هو عن عائشة كما سيجيء الآن. انظر المحتسب ٢ / ٢٩٣.
(٤) وهو ترجيح الرازي فيما نقله في التفسير الكبير ٢٨ / ٢٩٢.
(٥) زيادة من (أ).
(٦) انظر المحتسب السابق فيما رواه أبو حاتم عن ابن عباس وآخرين.
(٧) فقد روى أبو حاتم فيما نقله ابن جني في المحتسب أن عبد الله بن قيس قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقرؤها جنّه المأوى. المحتسب ٢ / ٢٩٣.
(٨) وانظر التبيان ١١٨٧.
(٩) عند الآية سالفة الذكر. أقول : والذي عليه أهل اللغة أن جنّه الليل : أدركه الليل وجن عليه الليل وأجنه ألبسه سواده ، جنّ عليه الليل جنونا وجنانا وأجنّه إجنانا ، والمعنى الجامع لتصريف (ج ن ن) أين وقعت إنما هو الاستخفاء والستر ومنه الجنّ والجنّة ، والجانّ والجنّان لاستتار الجنّ ، ومنه المجنّ للتّرس لستره ومنه الجنين لاستتاره في الرحم ومنه الجنّة لأنها لا تكون جنة حتى يكون الشجر فيها وذلك ستر لها والجنان روح القلب لاستتار ذلك ، والجنن القبر وعليه بقية الباب ، وانظر اللّسان جنن والمحتسب ٢٠ / ٢٩٣ و ٢٩٤.