تجادلونه فيما رآه وقد رآه على وجه لا شك فيه؟ (١)
واعلم أن قوله : (نزلة) هي فعلة من النزول كجلسة من الجلوس فلا بدّ من نزول. واختلفوا في ذلك النزول وفيه وجوه :
الأول : أن الضمير في (رآه) عائد إلى الله تعالى ، أي رأى الله نزلة أخرى. وهذا قول من قال في قوله (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) هو الله تعالى. وقد قيل : بأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رأى ربه بقلبه مرتين. وعلى هذا ففي النزول وجهان :
أحدهما : قول من يجوز على الله الحركة (٢).
وثانيهما : أن النزول بمعنى القرب بالرّحمة والفضل.
الثاني : أن محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رأى الله نزله أخرى ، والمراد من النزلة ضدها ، وهي العرجة كأنه قال : رآه عرجة أخرى (٣) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما ـ) (٤) نزلة أخرى هو أنه كانت للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عرجات في تلك الليلة لمسألة التخفيف من الصلوات فيكون لكل عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها. وروي عن ابن عباس أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٥) ـ رأى ربه بفؤاده مرتين. وعنه أنه رأى ربّه بعينيه (٦).
القول الثاني : أن الضمير في (رآه) عائد إلى جبريل أي رأى جبريل نزلة أخرى أي رأى جبريل في صورته التي خلق (عليها) (٧) نازلا من السّماء مرة أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) قال ابن الخطيب : ويحتمل أن تكون النّزلة لمحمّد ـ صلىاللهعليهوسلم (٨) ـ كما تقدم في العرجان (٩).
فصل
وقوله (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) المشهور أن السدرة شجرة في السماء السابعة. وقيل : في السماء السادسة ، كما ورد عنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أنه قال : «نبقها كقلال هجر ، وورقها كآذان الفيلة».
وقيل : سدرة المنتهى الحيرة القصوى من السدرة. والسدرة كالركبة من الراكب. يعني عندها يحار العقل حيرة لا حيرة فوقها ، وما حار النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وما غاب ورأى ما رأى.
__________________
(١) وهو قول الرازي.
(٢) وهذا باطل.
(٣) الرازي ٢٨ / ٢٩١ معنى.
(٤) زيادة من (أ).
(٥) في (ب) ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
(٦) وانظر البغوي والخازن ٦ / ٢٥٩ ، ٢٥٨.
(٧) في (أ) تلك اللفظ وقد سقطت من (ب).
(٨) في (ب) عليهالسلام.
(٩) وانظر تفسير الرازي ٢٨ / ٢٩١ معنى.