ثانيها : إضافة المحلّ إلى الحالّ فيه كقولك : كتاب الفقه ، وعلى هذا فالتقدير سدرة عندها(١) منتهى العلوم.
ثالثها : إضافة الملك إلى مالكه كقولك : دار زيد ، وشجرة زيد ، وحينئذ فالمنتهى إليه محذوف تقديره سدرة المنتهى إليه ، قال تعالى : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) فالمنتهى إليه هو الله تعالى وإضافة السّدرة إليه حينئذ كإضافة البيت إليه للتشريف والتعظيم ، كما يقال في التسبيح : يا غاية رغبتاه يا منتهى أملاه (٢).
فصل
وجنة المأوى قيل : هي الجنة التي وعد بها المتقون ، كقوله : (دارَ الْمُقامَةِ) [فاطر : ٣٥]. وقيل : هي جنة أخرى عندها تكون أرواح الشهداء وقيل : هي جنة الملائكة (٣).
قوله : (إِذْ يَغْشَى) منصوب ب (رآه) وقوله : (ما يَغْشى) كقوله : (ما أَوْحى) [النجم : ١٠]. وقال ابن الخطيب العامل في (إذ) ما قبلها أو ما بعدها؟ فيه وجهان :
فإن قلنا : ما قبلها ففيه احتمالان :
أظهرهما : «رآه» أي رآه وقت ما يغشى السّدرة الذي يغشى.
والثاني : العامل فيه الفعل الذي في النزلة أي رآه نزلة أخرى تلك النزلة وقت ما يغشى السّدرة ما يغشى أي نزوله لم يكن إلّا بعد ما ظهرت العجائب عند السدرة ، وغشيها ما غشي. وإن قلنا : العامل فيها ما بعدها فالعامل فيه (ما زاغَ الْبَصَرُ) أي ما زاغ بصره وقت غشيان السّدرة ما غشيها (٤).
فصل
اختلفوا فيما يغشى السدرة فقيل : فراش وجراد من ذهب (٥). وهو قول ابن عباس ، وابن مسعود ، والضحاك. قال القرطبي : وعن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : رأيت السّدرة يغشاها فراش من ذهب ، ورأيت على كلّ وردة ملكا قائما يسبّح ؛ وذلك قوله تعالى : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى)(٦). قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف لأن ذلك لا يثبت إلّا بدليل سمعيّ فإن صح فيه خبر (٧) وإلّا فلا وجه له.
وقيل : ملائكة يغشونها كأنهم طيور (٨) يرتقون إليها متشرّفين متبرّكين بها زائرين كما يزور الناس الكعبة.
__________________
(١) في (ب) عندها كذلك وفي الرازي : عند سدرة بدون (ها).
(٢) قال بهذه الأوجه والاحتمالات الإمام الفخر في تفسيره ٢٨ / ٢٩٢.
(٣) وانظر القرطبي ١٧ / ٩٦.
(٤) تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ٢٩٣.
(٥) وهو ضعيف لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي كما سيجيء الآن.
(٦) انظر القرطبي ١٧ / ٩٦.
(٧) فلا يبعد من جواز التأويل.
(٨) وهو قريب لأن المكان مكان لا يتعداه الملك. وانظر الرازي ٢٨ / ٢٩٣.