رأيتم هذه الأصنام حقّ الرؤية فإن رأيتموها علمتم أنها لا تصلح للإلهيّة. والمقصود إبطال الشركاء وإثبات التوحيد.
فصل
«أرأيت» بمعنى أخبرني فيتعدى لاثنين أولهما اللات وما عطف عليه ، والثاني : الجملة الاستفهامية من قوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ).
فإن قيل : لم يعد من هذه الجملة ضمير على المفعول الأول.
فالجواب : أن قوله (وَلَهُ الْأُنْثى) في قوة : له هذه الأصنام وإن كان أصل التركيب ألكم الذكر وله هنّ أي تلك الأصنام. وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأس فاصلة (١).
وقد جعل الزجاج المفعول الثّاني محذوفا ، فإنّه قال : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها فيقول أخبروني عن آلهتكم هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها ربّ العزة في الآي السالفة. انتهى (٢).
فعلى هذا يكون قوله (أَلَكُمُ الذَّكَرُ) متعلّقا بما قبله من حيث المعنى لا من حيث الإعراب (٣).
وجعل ابن عطية الرؤية هنا بصرية فقال : وهي من رؤية العين ، لأنه أحال على أجرام مرئيّة ، ولو كانت «أرأيت» التي هي استفتاء لم يتعد (٤). وقد تقدم الكلام على ذلك في الأنعام وغيرها.
فإن قيل : ما فائدة الفاء في قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ) وقد وردت في مواضع بغير فاء ، كقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الزمر : ٣٨] (و) (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) [فاطر : ٤٠].
فالجواب : لما تقدم عظمة الله في ملكوته وأن رسوله إلى الرسل يسد الآفاق ببعض أجنحته ويهلك المدائن بشدته وقوته ولا يمكنه مع هذا أن يتعدى السدرة في مقام جلال الله وعزته قال : أفرأيتم هذه الأصنام مع ذلتها وحقارتها شركاء لله مع ما تقدم فقال بالفاء
__________________
(١) بالمعنى من البحر ٨ / ١٦١.
(٢) اللفظ لفظ أبي حيان في البحر ٨ / ١٦١ فقد قال في إعراب القرآن ٥ / ٧٢ : كأن المعنى ـ والله أعلم ـ أخبرونا عن هذه الآلهة التي لكم تعبدونها من دون الله عزوجل ، هل لها من هذه القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة ـ جل وعزّ ـ شيء؟.
(٣) البحر السابق.
(٤) البحر المحيط السابق أيضا وقد هاجم أبو حيان ابن عطية قائلا : «ودل كلام ابن عطية على أنه لم يطالع ما قاله الناس في «أرأيت إذا كان استفتاء» على اصطلاحه وهي التي بمعنى أخبرني». ويقصد بآية الأنعام قوله : «قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ» من الآية ٤٠ منها.