العلم وإنما قدر الله توليهم ليضاف الجهل إلى ذلك فيتحقق العقاب.
قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ) جوز مكيّ أن يكون على بابه من التفضيل أي هو أعلم من كل أحد بهذين الوصفين وبغيرهما ، وأن يكون (١) بمعنى عالم ، وتقدم ذلك مرارا.
فصل
المعنى أن الله عالم بالفريقين فيجازيهم. ووجه المناسبة أن الله تعالى لمّا قال للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أعرض وكان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ شديد الميل إلى إيمان قومه كأنه هجس في خاطره أن في ذكراهم منفعة ، وربما يؤمن من الكفار قوم آخرون من غير قتال ، فقال له : (رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي لا يؤمن بمجرد الدعاء أحد المتخلفين وإنما ينفع فيهم وقع السيف والقتال فأعرض عن الجدال ، وأقبل على القتال. وعلى هذا فقوله : (بِمَنِ اهْتَدى) أي علم في الأزل من ضل ومن اهتدى فلا يشتبه عليه الأمر ، ولا بأس في الإعراض.
فإن قيل : قال في الضلال عن سبيله ولم يقل في الاهتداء إلى سبيله.
فالجواب : أنّ الضلال عن السبيل هو الضلال وهو كاف في الضّلال ، لأن الضّلال لا يكون إلّا في السبيل وأما بعد الوصول فلا ضلال ، أو لأن من ضلّ عن سبيله لا يصل إلى المقصود سواء سلك سبيلا أو لم يسلكه وأما من اهتدى إلى سبيل فلا وصول له إن لم يسلكه فقال من اهتدى إلى السبيل وسلوكه.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى)(٣٢)
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وهذا معترض بين الآية الأولى وبين قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا)(٢).
واللام في قوله : «ليجزي» فيها أوجه :
أحدها : أن يتعلق بقوله : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) ذكره مكّي (٣). وهو بعيد من حيث اللّفظ ومن حيث المعنى.
__________________
(١) في المشكل ٢ / ٣٣١ و ٣٣٢ : ويجوز أن يكونا بألف التشبيه فهو يقصد أعلم مكررة من قوله : «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى».
(٢) والمعنى : إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ليجزي. الجامع ١٧ / ١٠٥.
(٣) قاله في مشكل الإعراب ٢ / ٢٣٢.