وأما قوله : «والأوفى ليس من صفات الفعل» ممنوع ، بل هو من صفاته مجازا ، كما يوصف المجزيّ به مجازا فإن الحقيقة في كليهما منتفية وإنما المتصف به حقيقة المجازى (١).
وقال ابن الخطيب : والجزاء يتعدى إلى مفعولين ، قال تعالى : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) [الإنسان : ١٢] ويقال جزاك الله خيرا ، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف الجر ، فيقال : جزاه الخير على عمله الجنّة (٢) ، وقد يحذف الجار ويوصل الفعل ، فيقال : جزاه الخير عمله الجنّة (٣).
فصل
والمراد بالجزاء الأوفى : الأكمل والأتمّ أي يجزى الإنسان سعيه ؛ يقال : جزيت فلانا سعيه وبسعيه قال الشاعر :
٤٥٦٧ ـ إن أجز علقمة بن سعد سعيه |
|
لم أجزه ببلاء يوم واحد (٤) |
فجمع بين اللغتين (٥).
قال ابن الخطيب : والجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين ؛ لأن (٦) جزاء الصالح وافر ، قال تعالى : (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) [الإسراء : ٦٣] وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام ، فهي في نفسها أوفى. فإن قيل : «ثمّ» لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يجزاه؟ فإن تكان لتراخي الجزاء فكيف يؤخّر الجزاء عن الصالح وقد قلت (٧) : إن الظاهر أن المراد منه الصالحون؟!.
نقول : الوجهان محتملان وجواب السؤال أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت ؛ لأن الله تعالى من أوّل زمان يتوب (٨) الصالح يجزيه خيرا ويؤخّر له الجزاء الأوفى وهي الجنّة.
أو نقول : الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) وهي الجنة (وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] وهي الرؤية ، فكأنه تعالى قال : وأنّ سعيه سوف يرى ثم
__________________
(١) الدر المصون المرجع السابق لوحة رقم ١١٧.
(٢) في الرازي : على عمله الخير الجنّة.
(٣) وفيه : جزاه الله عمله الخير الجنة ، وانظر تفسير الإمام ١٥ / ١٧.
(٤) من الكامل ولم أعرف قائله ، فهو مجهول. والشاهد : «أجز علقمة» و «أجزه ببلاء» حيث عدى الفعل «جزى» بنفسه وبحرف الجر وهو ممكن فيهما. فقد جمع بين القولين. وانظر تفسير القرطبي في الجامع ١٧ / ١١٥.
(٥) القرطبي السابق.
(٦) في ب لأن جزاء الصالح وافر ، وفي الرازي : لأنه جزاء الصالح.
(٧) كذا في النسختين وفي الرازي : ثبت.
(٨) في الرازي : يتوب كذلك.