يرزق الرؤية. وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ ، فإن الأوفى مطلق غير مبيّن ، فلم يقل : أوفى من كذا فينبغي أن يكون أوفى من كل واف ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى.
فصل
قال في حق المسيء : (لا تَزِرُ وازِرَةٌ (وِزْرَ أُخْرى) وهو لا يدل إلا على عدم الحمل عن (١) الوازرة ، ولا يلزم من ذلك بقاء الوزر عليها من ضرورة اللفظ ؛ لجواز أن يسقط عنها ، ويمحو الله ذلك الوزر ، فلا يبقى عليها ولا يحمل عنها غيرها ، ولو قال : لا تزر (وازرة) (٢) إلا وزر نفسها لكان من ضرورة الاستثناء أنها تزر. وقال في حق المحسن : (لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ولم يقل : ليس له ما لم يسع ؛ لأن العبارة الثانية ليس فيها أن له ما سعى وفي العبارة الأولى أن له ما سعى نظرا إلى الاستثناء فقال في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءه ، وفي حق المحسن بعبارة تقطع خوفه ، وكل ذلك إشارة إلى سبق الرحمة الغضب (٣).
قوله [تعالى (٤) :] (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) العامة على فتح همزة «أنّ» وما عطف عليها بمعنى أن الجميع في صحف موسى وإبراهيم.
وقر أبو السّمّال بالكسر في الجميع على الابتداء (٥) ومعنى الآية : إن منتهى الخلق ومصيرهم إليه فيجازيهم بأعمالهم. وقيل : منه ابتداء المنّة وإليه انتهاء الآمال (٦). وروى أو هريرة مرفوعا : تفكّروا في الخلق ولا تفكّروا في الخالق ، فإن الله لا يحيط به الفكر (٧).
قال القرطبيّ : ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام : يأتي الشّيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتّى يقول له : من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته (٨). ولهذا أحسن من قال (رحمة الله عليه (٩) ورضاه) (شعرا) (١٠) :
٤٥٦٨ ـ ولا تفكّرن في ذا العلا عزّ وجهه |
|
فإنّك تردى إن فعلت وتخذل |
ودونك مصنوعاته فاعتبر بها |
|
وقل مثل ما قال الخليل المبجّل (١١) |
__________________
(١) في ب على.
(٢) سقط من ب.
(٣) وانظر تفسير الإمام ١٥ / ١٧ و ١٨ معنى.
(٤) سقط من أالأصل.
(٥) وهي قراءة شاذة ذكرها صاحب البحر ٨ / ١٦٨.
(٦) في القرطبي : الأمان.
(٧) البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٢٦٩ و ٢٧٠.
(٨) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١١٦.
(٩) زيادة من أ.
(١٠) زيادة من ب فقط.
(١١) من الطويل ومجهول قائلهما. وجاء بهما المؤلف استئناسا على أن الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وانظر القرطبي ١٧ / ١١٦ والسراج المنير ٣ / ١٣٧.