وقيل : المراد من هذه الآية التوحيد.
وفي المخاطب وجهان :
أحدهما : أنه عام تقديره إلى ربك أيها السامع أو العاقل.
والثاني : أنه خطاب مع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فعلى الأولى يكون تهديدا وعلى الثاني يكون تسلية لقلب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
فعلى الأول أيضا تكون اللام في «المنتهى» للعهد الموعود في القرآن.
وعلى الثاني تكون للعموم أي إلى ربك كلّ منتهى.
فإن قيل : فعلى هذا الوجه يكون منتهى ، وعلى الأول يكون «مبتدّى».
فالجواب : منتهى الإدراكات والمدركات فإن الإنسان أولا يدرك الأشياء الظاهرة ثم يمعن النظر فينتهي إلى الله فيقف عنده (١).
قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (أَضْحَكَ وَأَبْكى)(٢) ما بعده هذا يسميه البيانيون الطّباق والتضاد وهو نوع من البديع ، وهو أن يذكر ضدّان أو نقيضان أو متنافيان بوجه من الوجوه.
و «أضحك وأبكى» لا مفعول لهما في هذا الموضع ؛ لأنها (٣) مسوقة لقدرة الله تعالى لا لبيان المقدور ، فلا حاجة إلى المفعول كقول القائل : فلان بيده الأخذ والعطاء يعطي ويمنع ولا يريد ممنوعا ومعطى (٤).
فصل
اختار هذين الوصفين المذكورين لأنهما أمران لا يعلّلان ، فلا يقدر أحد من الطّبيعيّين (٥) أن يبدي في اختصاص الإنسان بالضّحك والبكاء وجها وسببا وإذا لم يعلل بأمر ، فلا بد له من موجد فهو الله بخلاف الصّحة والسّقم ، فإنهم يقولون : سببهما اعتلال المزاج وخروجه عن الاعتدال.
ومما يدل على ما ذكرنا أنهم عللوا الضحك قالوا : لقوة التعجب وهو باطل ، لأن الإنسان ربما يبهت عند رؤية الأمور العجيبة ولا يضحك. وقيل : لقوة الفرح ؛ وليس كذلك ؛ لأن الإنسان قد يبكي لقوة الفرح كما قال بعضهم (شعرا)
٤٥٦٩ ـ هجم السّرور عليّ حتّى إنّني |
|
من عظم ما قد سرّني أبكاني (٦) |
__________________
(١) بالمعنى من تفسير الإمام ١٥ / ١٩.
(٢) زيادة للسياق.
(٣) كذا في النسختين والأحسن : لأنهما مسبوقتان.
(٤) الرازي ١٥ / ٨١٩.
(٥) كذا في الرازي وفي ب الطبائعيين.
(٦) من تامّ الكامل. ولم أعرف قائله. وانظر السراج المنير ٤ / ١٣٨.