بعد خلق النطفة قال ههنا : (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) فجعل خلق الروح نشأة أخرى كما جعله هناك إنشاء آخر.
فإن قيل : الإعادة لا تجب على الله ، فما معنى قوله تعالى : (وَأَنَّ عَلَيْهِ)؟
فالجواب على مذهب المعتزلة يجب عليه عقلا ، فإن الجزاء واجب ، وذلك لا يتم إلا بالحشر فتجب الإعادة عليه عقلا ، وأما على مذهب أهب السنة ففيه وجهان :
الأول : «عليه» بحكم الوعد ، فإنه قال : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) «فعليه» بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشّرع.
الثاني : «عليه» بحكم التعيين ، فإن من حضر بين جمع وحاولوا أمرا وعجزوا عنه ، يقال له : وجب عليك إذن أن تفعله أي تعيّنت له (١).
فصل
قرىء النّشأة على أنه مصدر كالضّربة على وزن فعلة وهي المرّة يقال : ضربة وضربتان يعني النشأة مرة أخرى عليه. وقرىء النّشاءة ـ بالمد ـ على أنه مصدر على وزن فعالة (٢) ، كالكفالة. وكيفما قرىء فهي من «نشأ» ، وهو لازم.
قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) قال أبو صالح : «أغنى» الناس بالأموال «وأقنى» أعطى القنية وأصول الأموال وما يدّخرونه بعد الكفاية.
وقال الضحاك : «أغنى» بالذهب والفضة ، وصنوف الأموال ، «وأقنى» بالإبل والبقر والغنم ، وقال الحسن وقتادة : أخدم. وقال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٣) أغنى وأقنى أعطى فأرضى. وقال مجاهد ومقاتل : أرضى بما أعطى وقنع. وقال الراغب : وتحقيقه أنه جعل له قنية من الرّضا. وقال سليمان التّيميّ : أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه. وقال ابن زيد : «أغنى» أكثر «وأقنى» أقلّ ، وقرأ : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ)(٤).
وقال الأخفش : «أقنى» : أفقر (٥). وقال ابن كيسان : أولد (٦). قال الزمخشري : «أقنى» أعطى القنية ، وهي المال الذي تأثّلته (٧) وعزمت أن لا يخرج من يدك. وقال
__________________
(١) بالمعنى كل هذا من تفسير العلّامة الرازي ١٥ / ٢٢.
(٢) ونسبها صاحب الإتحاف إلى ابن كثير وأبي عمرو ، وقد مرت في العنكبوت ، وانظر الإتحاف ٤٠٣ وقد نقلها صاحب التفسير الكبير الإمام الرازي دون نسبة كما نقلها صاحب الكشاف الزمخشري ٤ / ٣٤ دون نسبة أيضا وقد نسبها القرطبي ١٧ / ١١٨.
(٣) زيادة من أ.
(٤) ذكرت هذه الأقوال في البغوي والخازن ٦ / ٢٧٠ والقرطبي ١٧ / ١١٨ و ١١٩ والمفردات للراغب قنا.
(٥) لم أجدها في المعاني له فقد نقلها عنه البغوي السابق.
(٦) السابق أيضا.
(٧) تأثّل المال اكتسبه وثمّره وأتّخذه. عن اللسان «أثل».