قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ)(١٤)
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ...) الآية ذكر المكذبين تذكيرا لهم بحالهم وأنذرهم بإهلاكهم ، وفيه تسلية للرسول ، وتنبيه بأن حاله كحال من تقدمه من الرسل كذبوا وصبروا فأهلك الله مكذّبيهم ونصرهم. والمراد بأصحاب الرّسّ قيل : هم قوم شعيب ، وقيل : الذين جاءهم من أقصى المدينة رجل يسعى وهم من قوم عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقيل : هم أصحاب الأخدود (١) والرس إمّا موضع نسبوا إليه ، أو فعل وهو حفر البئر ، يقال رسّ إذا حفر بئرا (٢). وقد تقدم في الفرقان (٣). وقال ههنا : (قَوْمُ نُوحٍ) ، وقال : (إِخْوانُ لُوطٍ) ؛ لأن لوطا كان مرسلا إلى طائفة من قوم إبراهيم هم معارف لوط ، ونوح كان مرسلا إلى خلق عظيم، وقال : (فِرْعَوْنُ) ولم يقل : «قوم فرعون» ، وقال : (قَوْمُ تُبَّعٍ) ؛ لأن فرعون كان هو المعتبر ، المستبدّ بأمره ، وتبّع كان معتضدا بقومه فجعل الاعتبار لفرعون وخصه بالذكر. وتبع هو تبع الحميريّ ، واسمه سعد أبو كرب. قال قتادة : ذم الله قوم تبع ولم يذمه (٤) وتقدم ذكره في سورة الدخان.
قوله : (الْأَيْكَةِ) تقدم الكلام عليها في الشعراء (٥). وقرأ ههنا ليكة ـ بزنة ليلة ـ أبو جعفر وشيبة (٦) ، وقال أبو حيان : وقرأ أبو جعفر وشيبة وطلحة ونافع (الْأَيْكَةِ) ـ بلام التعريف ـ والجمهور ليكة (٧). وهذا الذي نقله غفلة منه بل الخلاف المشهور إنما هو في سورة الشعراء و «ص» كما تقدم تحقيقه وأما هنا فالجمهور على لام التّعريف (٨).
قوله : (كُلٌّ) التنوين عوض عن المضاف إليه (٩). وكان بعض النحاة يجيز (حذف) (١٠) تنوينها وبناءها على الضم كالغاية نحو : قبل وبعد. واللام في الرسل قيل
__________________
(١) انظر البغوي والخازن في معالم التنزيل ولباب التأويل ٦ / ٢٣٤ و ٢٣٥ والقرطبي في الجامع ١٧ / ٨ وتفسير الفخر الرازي ٢٨ / ١٦١.
(٢) لسان العرب لابن منظور «رسس» ١٦٤١.
(٣) عند قوله تعالى : «وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً» من الآية ٣٨.
(٤) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦١ والبغوي ٦ / ٢٣٤.
(٥) وقد تحدثت في سورة «ص» وحققت آية الشعراء من خلال الحديث في سورة «ص».
(٦) البحر المحيط ٨ / ١٢٢.
(٧) المرجع السابق.
(٨) وهذا ما أقره صاحب الإتحاف ٣٩٨.
(٩) وهو أحد أقسام التنوين مثل قوله : «وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ».
(١٠) ما بين القوسين سقط من (أ) الأصل. ويقصد المؤلف ببعض النحاة محمّد بن الوليد. وهو من قدماء نحاة مصر أجاز أن يحذف التنوين من كلّ جملة غاية ويبنى على الضم كما يبنى قبل وبعد.
وانظر البحر المحيط ٨ / ١٢٢.