فصل
قيل : هذا أيضا مما في الصحف. وقيل : هو ابتداء لكلام ، والخطاب عام ، والمعنى فبأي آلاء أي نعم ربك أيها الإنسان تتمارى تشك وتجادل. وقال ابن عباس (رضي الله عنهما) (١) : تكذب. وقيل : هذا خطاب مع الكافر.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : خطاب مع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولا يقال : كيف يجوز أن يقول للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ تتمارى؟ لأنا نقول : هو من باب : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] يعني لم يبق فيه إمكان الشك حتى أنّ فارضا لو فرض النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ممن يشك أو يجادل في بعض الأمور الخفية لما كان يمكنه المراء في نعم الله تعالى. والصحيح العموم كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] وقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف : ٥٤].
قوله تعالى : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ)(٥٨)
قوله : (هذا نَذِيرٌ) إشارة إلى ما تقدم من الآي ، وأخبار المهلكين. وقيل : أي القرآن. قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لفظا ومعنى ؛ أما معنى فلأن القرآن ليس من جنس الصحف الأولى ، لأنه معجزة ، وتلك لم تكن معجزة ، وأما لفظا فلأن النذير إن كان كاملا فما ذكره من حكاية المهلكين أولى لأنه أقرب ويكون هذا يبقى على حقيقة التبعيض (٢) ، أي هذا الذي ذكرناه بعض ما جرى أو يكون لابتداء الغاية أي هذا إنذار من المنذرين المتقدمين ؛ يقال : هذا الكتاب وهذا الكلام من فلان.
وقيل : إشارة إلى الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أي هذا النذير من جنس النذر الأولى أي رسول من الرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم (٣).
وقوله : «نذير» يجوز أن يكون مصدرا ، وأن يكون اسم فاعل وكلاهما لا ينقاس ، بل القياس في مصدره إنذار (٤) ، وفي اسم فاعله منذر. والنّذر يجوز أن يكون جمعا لنذير بمعنييه المذكورين ، و «الأولى» صفة حملا على معنى الجماعة كقوله : (مَآرِبُ أُخْرى)(٥) [طه : ١٨].
__________________
(١) زيادة من أ.
(٢) لعله يقصد «من» وعبارة الرازي : ويكون على هذا «من» بقي على حقيقة التبعيض أي هذا الذي ذكرنا بعض ما جرى ونبذ مما وقع.
(٣) وانظر الرازي ١٥ / ٢٦ و ٢٧ بالمعنى منه.
(٤) لأنه من الماضي الرباعي أنذر فيتحتم قياسا إنذارا.
(٥) وانظر الرازي ١٥ / ٢٦ والبحر ٨ / ١٧٠. أقول : وقوله : بل القياس في مصدره إنذار فهو حينئذ على ـ