حديث منتهى. وقيل : ما قدر كائن لا محالة (١) وقيل كل أمر مستقر على سنن الحق يثبت ، والباطل يزهق فيكون ذلك تهديدا لهم وتسلية للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو كقوله تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزمر : ٧].
وقيل : كل أمر مستقر في علم الله تعالى لا يخفى عليه شيء ، فهم كذبوا واتبعوا أهواءهم ، والأنبياء صدقوا وبلغوا ، كقوله تعالى : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦] وكقوله: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٢ ـ ٥٣].
وقيل : هو جواب لقوله : (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي بل كل أمره مستقر (٢).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ)(٥)
قوله : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ) يعني أهل مكة من أخبار الأمم المكذبة والقرآن (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) أي مناهي.
قوله : «مزدجر» يجوز أن يكون فاعلا ب «فيه» (٣) لأن «فيه» وقع صلة وأن يكون مبتدأ ، و «فيه» الخبر. و «الدال» بدل من تاء الافتعال ، وأصله مزتجر ، فقلبت التاء دالا. وقد تقدم أن تاء الافتعال تقلب دالّا بعد الزاي ، والدال ، والذال ؛ لأن الزاي حرف مجهور والتاء حرف مهموس ، فأبدلوها إلى حرف مجهور قريب من التاء ، وهو الدال. و «مزدجر» هنا اسم (٤) مصدر أي ازدجارا ، أو اسم مكان أي موضع ازدجار. ومعناه فيه نهي وعظة ، يقال : زجرته وازدجرته إذا نهيته عن السوء. وقرىء : مزّجر بقلب تاء الافتعال زايا ثم أدغم (٥). وزيد بن علي : مزجر (٦) اسم فاعل من أزجر صار ذا زجر ، كأعشب أي صار ذا عشب.
والأنباء هي الأخبار العظام التي لها وقع كقول الهدهد (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : ٢٢] ، لأنه كان خبرا عظيما له وقع وخبر ، وقال تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) [الحجرات : ٦] أي بأمر غريب. وإنما يجب التثبّت فيما يتعلق به حكم ويترتب عليه أمر ذو بال ، وقال تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ) [هود : ٤٩]. والمراد بالأنباء هنا أخبار المهلكين المكذّبين (٧).
__________________
(١) وانظر هذه الأقوال في القرطبي ١٧ / ١٢٨ ، والبغوي والخازن ٦ / ٢٧٣ و ٢٧٤.
(٢) وانظر الرازي ١٥ / ٣٢.
(٣) أي بمتعلق الجار والمجرور.
(٤) التعبير القريب : مصدر ميميّ.
(٥) الزايان في بعضهما ، ولم يحدد أبو حيان ولا الزمخشري في البحر المحيط والكشاف من قرأ بتلك القراءة. وانظر البحر ٨ / ١٧٤ والكشاف ٤ / ٣٦.
(٦) ذكرها صاحب البحر المرجع السابق.
(٧) وانظر تفسير الإمام الفخر ١٥ / ٣٢.