وقرأ ابن كثير بسكون القاف ، فيحتمل أن يكون أصلا ، وأن يكون مخففا من قراءة الجماعة (١). وقد تقدم ذلك محررا في العسر واليسر في سورة المائدة.
وسمي الشديد نكرا ، لأن النفوس تنكره ، قال مالك بن عوف :
٤٥٨٣ ـ أقدم نجاح إنّه يوم نكر |
|
مثلي على مثلك يحمي ويكر (٢) |
وقرأ زيد بن علي والجحدري وأبو قلابة : نكر فعلا ماضيا مبنيا للمفعول ، لأن «نكر» يتعدى ؛ قال تعالى : (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)(٣) [هود : ٧٠].
فصل
المعنى إلى شيء منكر فظيع ، لم ير مثله فينكرونه استعظاما ، قال ابن الخطيب : وهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أن المعنى إلى شيء نكر في يومنا هذا ، لأنهم أنكروه أي يوم يدع الداعي إلى الشيء الذي أنكروه يخرجون.
الثاني : أن المعنى منكر أي يقول القائل كان ينبغي أن لا يقع ولا يكون لأن المنكر من شأنه أن لا يوجد يقال : فلان ينهى عن المنكر ، وعلى هذا فهو عندهم كان ينبغي أن لا يقع ، لأنه يرديهم في الهاوية.
فإن قيل : ما ذلك الشيء النكر؟
فأجيب : بأنه الحساب ، أو الجمع له ، أو النشر للجمع.
فإن قيل : النشر لا يكون منكرا ، فإنه إحياء ، لأن الكافر من أين يعرف وقت النشر ما يجري عليه لينكره.
فالجواب : أنه يعلم ذلك لقوله تعالى عنهم : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٤) [يس: ٥٢].
قوله : «خاشعا أبصارهم» قرأ أبو عمرو والأخوان (٥) خاشعا ، وباقي السبعة (خُشَّعاً) ، فالقراءة الأولى جارية على اللغة الفصحى من حيث إنّ الفعل وما جرى مجراه إذا قدم على الفاعل وحّد تقول : تخشع أبصارهم ، ولا تقول : يخشعن أبصارهم ، وأنشد (ـ رحمة الله عليه ـ (٦) :
__________________
(١) وقد قال مكي : إنهما لغتان. وانظر تلك القراءة المتواترة في الكشف ٢ / ٢٩٧ والسبعة ٦١٧.
(٢) من البسيط لمالك بن عوف النضري وجاء به في كلمة «نكر» المنكرة للتفخيم والتهويل ، فالنفوس تنكره دائما وانظر البحر المحيط ٨ / ١٧٥.
(٣) وهذه القراءة شاذة ذكرها أبو الفتح في المحتسب ٢ / ٢٩٨ ، وابن خالويه في المختصر ١٤٧.
(٤) وانظر تفسير الإمام الرازي ١٥ / ٣٤.
(٥) حمزة والكسائي. وانظر الكشف ٢ / ٢٩٧ والسبعة ٦١٧. وهي متواترة.
(٦) ما بين القوسين جملة مزيدة من (أ).