الحسن ، لأنهم لمّا زجروه وانزجر هو عن دعائهم دعا ربه أنّي مغلوب (١).
قوله : (أَنِّي مَغْلُوبٌ) العامة على فتح الهمزة ؛ أي دعا بأنّي مغلوب ، وجاء بهذا على حكاية المعنى ولو جاء على حكاية اللفظ لقال : إنّي مغلوب وهما جائزان.
وعن ابن أبي إسحاق والأعمش ـ ورويت عن عاصم (٢) ـ بالكسر إما على إضمار القول(٣) ، أي فقال فسّر به الدعاء ، وهو مذهب البصريّين ، وإما إجراء للدعاء مجرى القول. وهو مذهب الكوفيين (٤).
فصل
في معنى مغلوب وجوه :
أحدها : غلبني الكفار فانتصر لي منهم.
ثانيها : غلبتني نفسي وحملتني على الدعاء عليهم ، فانتصر لي من نفسي. قاله ابن عطية. وهو ضعيف (٥).
ثالثها : أن يقال : إنّ النبي لا يدعو على قومه ما دام في نفسه احتمال وحلم ، واحتمال نفسه يمتد ما دام الإيمان منهم محتملا ، ثم إنّ يأسه يحصل والاحتمال والحلم يفر الناس (٦) مدة بدليل قوله لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [الشعراء : ٣] (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] وقال لنوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [هود : ٣٧] و [المؤمنون : ٢٧] فقال نوح : يا إلهي إن نفسي غلبتني وقد أمرتني بالدّعاء عليهم فأهلكتهم فيكون معناه مغلوب بحكم البشرية أي غلبت وعيل صبري فانتصر لي منهم لا من نفسي.
قال ابن الخطيب : وهذا الوجه مركّب من الوجهين. وهو أحسنهما.
وقوله : (فَانْتَصِرْ) أي فانتصر لي أو لنفسك ، فإنهم كفروا بك ، أو انتصر للحقّ (٧).
قوله : (ففتحنا) تقدم الخلاف في فتحنا في الأنعام (٨). والمراد من الفتح والأبواب والسماء حقائقها وأن للسماء أبواب تفتح وتغلق.
__________________
(١) السابق أيضا وانظر البغوي ٦ / ٢٧٤ والقرطبي ١٧ / ١٣١.
(٢) ولم ترو عنه في المتواتر ، وهي قراءة شاذة ذكرها صاحب البحر ٨ / ١٧٦ ، وصاحب الكشاف ٤ / ٣٧.
(٣) قاله الزمخشري وأبو حيان في مرجعيهما السابقين.
(٤) وقال بهذه التوجيهات ناقلا رأي البصرة والكوفة أبو حيان في بحره السابق.
(٥) لما فيه من الضعف والخور من نبيّ كنوح ـ عليهالسلام ـ. وانظر رأي ابن عطيّة في الرازي ١٥ / ٣٧.
(٦) كذا في النسختين وفي الرازي : والاحتمال يفر بعد اليأس بمدّة.
(٧) وانظر كل هذا في تفسير الإمام الفخر الرازي ١٥ / ٣٧.
(٨) من الآية ٤٤ من الأنعام «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ». فقد قرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج ويعقوب «فتّحنا» والجمهور مخففا وعلى كلتا القراءتين فهما متواترتان.