وقوله : (عُيُوناً) فيه أوجه :
أشهرها : أنه تمييز أي فجّرنا عيون الأرض ، فنقله من المفعولية إلى التمييز كما نقل من (١) الفاعلية. ومنعه بعضهم على ما سيأتي.
وقوله : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) أبلغ من فجّرنا عيون الأرض ، لما ذكر في نظيره مرارا(٢).
الثاني : أنه منصوب على البدل من الأرض ، ويضعف هذا خلوّه من الضمير ، فإنه بدل بعض من كل ويجاب عنه بأنه محذوف أي عيونا منها كقوله : (الْأُخْدُودِ النَّارِ) ، فالنار بدل اشتمال ولا ضمير فهو مقدر.
الثالث : أنه مفعول ثان ؛ لأنه ضمن فجّرنا معنى صيّرناها بالتفجير عيونا.
الرابع : أنها (٣) حال ، وفيه تجوز حذف مضاف أي ذات عيون ، وكونها حالا مقدرة (٤) لا مقارنة (٥). قال ابن الخطيب : قوله (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) فيه من البلاغة ما ليس في قول القائل : وفجّرنا من الأرض عيونا.
وقال : وفجرنا الأرض عيونا ، ولم يقل : ففتحنا السّماء أبوابا ؛ لأن السماء أعظم من الأرض وهي للمبالغة ، وقال : أبواب السماء ولم يقل : أنابيب ولا منافذ ولا مجاري. أما قوله تعالى: (فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) فلا غنى عنه لأن قول القائل : فجرنا من الأرض عيونا يكون حقيقة لا مبالغة فيه ويكون في صحة ذلك القول أن يحصل في الأرض عيون ثلاث ولا يصلح مع هذا في السّماء ومياهها (٦).
فصل
قال ابن الخطيب : العيون جمع عين وهي حقيقة في العين التي هي آلة الإبصار ومجاز في غيرها أما في عيون الماء فلأنها تشبه العين الناظرة التي يخرج منها الدمع ، لأن الماء الذي في العين كالدمع الذي في العين وهو مجاز مشهور صار غالبا حتى لا يفتقر
__________________
(١) كقول الله عزوجل في سورة مريم : «وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً» من الآية ٤ منها.
(٢) لأنه يكون حقيقة لا مبالغة فيه ، ويكفي في صحة ذلك القول أن يجعل في الأرض عيونا ثلاثة ، ولا يصح مع هذا في السماء إلا قول القائل : فأنزلنا من السماء ماء أو مياها. وانظر تفسير الإمام ١٥ / ٣٨.
(٣) وقال بهذه الأوجه الإعرابية ناقلا إياها أبو حيّان في البحر ٨ / ١٧٧ عدا وجه البدل.
(٤) والحال المقدرة هي المستقبلة كمررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدّرا ذلك. وهذا لا يصح مع الآية الكريمة.
(٥) أما المقارنة وهي الغالبة في أقسام الحال باعتبار الزمان ك «وَهذا بَعْلِي شَيْخاً». والمحلية ؛ وهي الماضية كجاء زيد أمس راكبا.
(٦) بالمعنى من تفسير الرازي ١٥ / ٣٨.