وقرأ يزيد بن رومان (١) وعيسى وقتادة : كفر ، مبنيا للفاعل (٢).
والمراد ب «من» حينئذ قوم نوح. و «كفر» خبر كان. وفيه دليل على وقوع خبر كان ماضيا من غير قد (٣). وبعضهم (٤) يقول : لا بد من (قد) ظاهرة أو مضمرة (٥).
ويجوز أن تكون كان مزيدة ، وأما كفرهم ففيه وجهان :
أحدهما : أن يكون «كفر» مثل شكر تعدى بحرف وبغير حرف ، يقال : شكرته وشكرت له ، قال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥٢].
وقال : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) [البقرة : ٢٥٦].
الثاني : أن يكون من الكفر لا من الكفران أي جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه ، أو جزاء لمن كفر به (٦).
فصل
المعنى فعلنا به من إنجاء نوح وإغراق قومه ثوابا لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ. وقيل : «من» بمعنى «ما» أي جزاء لما كان كفر من أيادي ونقمة عند الذين غرقهم ، وجزاء لما صنع بنوح وأصحابه (٧).
واللام في «لمن» لام المفعول له. والجزاء هنا بمعنى العقاب أي عقابا لكفرهم.
قوله : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) ضمير تركناها إمّا للقصة أو للفعلة التي فعلناها آية يعتبر بها ، أو السفينة. وهو الظاهر. والمعنى تركناها أي أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة آية أي عبرة حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة ، وكانت على الجوديّ. وقيل : بأرض الهند ، ومعنى تركناها أي جعلناها ، لأنها بعد الفراغ منها صارت متروكة ومجعولة (٨).
__________________
(١) هو يزيد بن رومان أبو روح المدني مولى الزبير ، ثقة ، ثبت ، فقيه ، قارىء ، محدث عرض على عبد الله بن عياش وروى القراءات عنه عرضا نافع وأبو عمرو. مات سنة ١٢٠ ، انظر طبقات ابن الجزري ٢ / ٣٨١.
(٢) شاذة. وانظر المحتسب ٢ / ٢٩٨.
(٣) وهو مذهب البصريين والصحيح جوازه مطلقا بكثرته في كلامهم نظما ونثرا كثرة توجب القياس ، قال تعالى : «إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ* إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ* أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ» وقال الشاعر :
.......... |
|
وقد كانوا فأمسى الحيّ ساروا |
وحكى الكسائي : أصبحت نظرت إلى ذات التّنانير.
(٤) وهم الكوفيون.
(٥) وحجتهم أن كان وأخواتها إنما دخلت على الجمل لتدل على الزمان ، فإذا كان الخبر يعطي الزمان لم يحتج إليها ، ألا ترى أن المفهوم من : «زيد قام» ومن : «كان زيد قائما» شيء واحد ، واشتراط «قد» لأنها تقرب الماضي من الحال. وانظر الهمع ١ / ١١٣.
(٦) قاله الرازي في التفسير الكبير ١٥ / ١٤١.
(٧) البغوي ٦ / ٢٧٥.
(٨) القرطبي ١٧ / ١٢٣ والمرجع السابق أيضا.