قوله : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أصله «مدتكر» فأبدلت التاء دالا مهملة ، ثم أبدلت المعجمة (١) مهملة لمقارنتها وقد تقدم هذا في قوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥]. وقد قرىء «مدتكر» بهذا الأصل (٢).
وقرأ قتادة فيما نقل عنه أبو الفضل ـ مدكّر (٣) ـ بفتح الدال مخففة وبتشديد الكاف ، من دكّر بالتشديد أي دكّر نفسه أو غيره بما بمضى من قصص الأولين.
ونقل عنه ابن عطية كالجماعة إلا أنه بالذّال المعجمة ، وهو شاذ لأن الأوّل يقلب للثّاني ، لا الثاني للأول.
روى زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلا يسأل الأسود : فهل من مدّكر أو من مذّكر ، قال : سمعت عبد الله يقرأها : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) دالا (٤).
فصل
وهذه الآية إشارة إلى أن الأمر من جانب الرسل قد تمّ ، ولم يبق إلا جانب المرسل إليهم بإن يتفكروا ويهتدوا. وهذا الكلام يصلح أن يكون حثا وأن يكون تخويفا وزجرا ، وقال ابن الخطيب : مدّكر مفتعل من ذكر يذكر وأصله مذتكر. وقرأ بعضهم بهذا الأصل. ومنهم من يقلب التاء دالا. وفي قوله : مدّكر إشارة إلى قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) أي هل ممن يتذكر تلك الحالة؟ وإما إلى وضوح الأمر كأنه جعل (٥) للكل آيات الله فنسوها ، فهل من متذكر (٦) يتذكر شيئا منها؟.
قوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) كان الظاهر فيها أنها ناقصة (و) «فكيف» خبر مقدم. وقيل : يجوز أن تكون تامة ، فتكون «كيف» في محل نصب إما على الظرف (٧) وإمّا على الحال كما تقدم تحقيقه في البقرة (٨).
__________________
(١) وهي التاء.
(٢) كذا في النسختين نقلا عن البحر المحيط ٨ / ١٧٨ ، ولم يحدد أبو حيان من قرأ بتلك القراءة وفي الكشاف : مدتكر على الأصل ومدكر دونما تحديد أيضا لقارئهما.
(٣) كذا بالدال في النسختين وما في البحر نقلا عن أبي الفضل الرازي بالذال. وهو الصحيح. وانظر البحر المرجع السابق ٨ / ١٧٨.
(٤) نقل هذا الإمام البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٢٧٥ وابن منظور في اللسان «ذكر» ١٤٠٣.
(٥) في الرازي : حصل.
(٦) وفيه «مدّكر».
(٧) الغالب في كيف أن تكون استفهاما إما حقيقيّا أو غيره ، وأن تكون شرطا وتسميتها بالظرف عن سيبويه وعن الأخفش والسّيرافي أنها اسم غير ظرف وبنوا على هذا الخلاف أمورا ذكرها ابن هشام في المغني. وانظر المغني ٢٠٥ و ٢٠٦.
(٨) عند الآية الشهيرة ٢٨٠ : «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ» ، ولعل المؤلف يقصد قوله : «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ» من الآية ٩٧ من نفس السورة ففيه الشبه والتركيب اللذان في تلك الآية.