قوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) يريد صيحة جبريل كما تقدم (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) العامة على كسر الظاء اسم فاعل وهو الذي يتخذ حظيرة من حطب وغيره.
وقرأ أبو السّمال وأبو حيوة وأبو رجاء وعمرو بن عبيد بفتحها. فقيل : هو مصدر (١) أي كهشيم الاحتظار.
وقيل : هو اسم مكان. وقيل : هو اسم مفعول وهو الهشيم نفسه ، ويكون من باب إضافة الموصوف لصفته كمسجد الجامع. والحظر المنع ، وقد تقدم تحريره في «سبحان» (٢).
فصل
«كان» في قوله «فكانوا» قيل : بمعنى صاروا كقوله :
٤٦٠٥ ـ .......... |
|
كانت فراخا بيوضها (٣) |
أي صارت. والهشيم : المهشوم المكسور ، ومنه سمي هاشم لهشمه الثّريد في الجفان غير أن الهشيم يستعمل كثيرا في الحطب المتكسر اليابس.
قال المفسرون : كانوا كالخشب المنكسر الذي يخرج من الحظائر بدليل قوله : (هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) وهو من باب إقامة الصّفة مقام الموصوف.
وتشبيههم بالهشيم إما لكونهم يابسين كالموتى (٤) الذين ماتوا من زمان ، أو لانضمام بعضهم إلى بعض ، كما ينضم الرفقاء عند الخوف يدخل بعضهم في بعض ، فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كما يجمع الحاطب الحطب يصف شيئا فوق شيء منتظرا حضور من يشتري منه (٥).
ويحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم أي كانوا كالحطب اليابس الذي للوقيد كقوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] وقوله : (فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) [الجن : ١٥].
__________________
ـ والقدار : الجزار ، والنقيعة ما ينحر للضّيافة ، والقدام : القادمون من سفر جمع قادم وقيل : القدّام الملك وجاء بالقدار دلالة على أنه هو الجزار. وانظر القرطبي ١٧ / ١٤١.
(١) ميميّ. وانظر هذه القراءة الشاذة في البحر ٨ / ١٨١ والكشاف ٤ / ٤٠. واختار الزمخشري المكان في تلك القراءة.
(٢) يقصد سورة الإسراء عند قوله : وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً من الآية ٢٠. وقد ذكر معنى الحظر وقال : وكثيرا ما يرد في القرآن ذكر المحظور ويراد به الحرام. وانظر اللباب ميكروفيلم.
(٣) سبق هذا البيت وأتى به هنا دلالة على أن «كان» بمعنى «صار». والبيت لامرىء القيس وتكملته :
بتيماء قفر والمطيّ كأنّها |
|
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها |
(٤) في الرازي : كالحشيش بين الموتى.
(٥) وقد قال بهذا الفصل الإمام الرازي.