فبعث الله عزوجل إليهم الناقة وكانت ترد من ذلك الفجّ فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون منها يوم غبّها (١).
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(٤٠)
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) أخبر عن قوم لوط لما كذبوا لوطا. ثم قال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) والحاصب فاعل من حصب إذا رمى بالحصا وهي الحجارة. وقال النّضر (٢) : الحاصب الحصباء في الرّيح. وقال أبو عبيدة : الحاصب الحجارة (٣). وفي الصّحاح : الحاصب الريح الشديدة التي تثير الحصباء ، وكذلك الحصبة ، قال لبيد :
٤٦٠٨ ـ جرّت عليها أن خوت من أهلها |
|
أذيالها كلّ عصوف حصبه (٤) |
(يقال) : عصفت الرّيح أي اشتدت فهي ريح عاصف وعصوف. وقال الفرزدق :
٤٦٠٩ ـ مستقبلين شمال الشّأم تضربنا |
|
بحاصب كنديف القطن منثور (٥) |
قوله : (إِلَّا آلَ لُوطٍ) فيه وجهان :
__________________
(١) البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٢٧٦ ، والقرطبي في الجامع ١٧ / ١٤٠ و ١٤١. ويريد بأبي الزّبير محمد بن مسلم بن تدرس المكّي ، الحافظ المكثر ، الصدوق مولى حكيم بن حزام القرشي الأسدي ، حدث عن ابن عباس ، وابن عمر ، وجابر ، وأبي الطفيل ، وغيرهم ، وعنه أيوب وشعبة وسفيان ، كان كاملا عقلا مات سنة ١٢٨ ه ، وانظر تذكرة الحفاظ ١ / ١٢٦ و ١٢٧ للإمام الذهبيّ.
(٢) هو : النضر بن شميل ، أخذ عن الخليل بن أحمد ، وعن فصحاء العرب كأبي خيرة الأعرابيّ وأبي الدّقيش. مات سنة ثلاث أو أربع ومائتين في خلافة المأمون. وانظر نزهة الألباء من ٥٨ إلى ٦١.
(٣) قاله في المجاز ٢ / ٢٤١ قال : «والحاصب أيضا يكون من الجليد».
(٤) من الرجز وهو له كما في ديوانه ٣٩ دار صادر. وخوت : أقفرت ، والعصوف : الريح العاصفة والحصبة التي تجرف الحصباء معها. وروي «عليه» بدل «عليها». و «كل» فاعل مؤخر و «أذيالها» مفعول مقدم. وقد جاء بالبيت ليبيّن أن الحاصب والحصبة هي الريح الشديدة المثيرة. وانظر اللسان «حصب» ٨٩٣ والقرطبي ١٧ / ١٤٣ والصّحاح «حصب» أيضا.
(٥) من البسيط له. و «نديف القطن» الذي يباع في السوق مندوفا فالنّدف هو الطرق. وشاهده كسابقه من أن الحاصب هو الريح الشديدة. وانظر البيت في المجاز ٢ / ٢٤١ وفتح القدير ٥ / ١٢٧ وروح المعاني ٢٧ / ٩٠ والقرطبي ١٧ / ١٤٣ ، ومجمع البيان ٩ / ٢٩١ والديوان ١ / ٢١٣.