أحدهما : أنه متصل ويكون المعنى : أنه أرسل الحاصب على الجميع إلا أهله ، فإنه لم يرسل عليهم.
والثاني : أنه منقطع (١). قال شهاب الدين : ولا أدري ما وجهه ؛ فإن الانقطاع وعدمه عبارة عن عدم دخول المستثنى في المستثنى منه ، وهذا داخل ليس إلّا (٢).
وقال أبو البقاء : هو استثناء منقطع. وقيل : متصل ؛ لأن الجميع أرسل عليهم الحاصب فهلكوا إلا آل لوط. وعلى الوجه الأول يكون الحاصب لم يرسل على آل لوط (٣). انتهى. وهو كلام مشكل (٤).
فصل
قال ابن الخطيب : الحاصب رامي الحصباء ، وهي الحجارة ؛ كقوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [الحجر : ٧٤] وقول الملائكة : (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) [الذاريات : ٣٣] مع أنّ المرسل عليهم ليس بحاصب فيحتمل أن يكون المعنى : لنرسل عليهم ريحا حاصبا بالحجارة (٥). ويجوز تذكير الرّيح ؛ لأن تأنيثها غير حقيقي. ويحتمل أن يكون المراد عذاب حاصب لأن (أرسلنا) يدل على مرسل وهو مرسل الحجارة وحاصبها ، وأفرد للجنس. وقوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا) كأنه جواب من قال : كيف كان أمرهم؟ والاستثناء في قوله : (إِلَّا آلَ لُوطٍ) من الضمير في «عليهم» وهو يعود على قوم لوط فيقتضي أنّ آله كذّبوا ، لكن قد يكون أهله قليلا فعمهم ظاهر اللفظ فبين بالاستثناء خروجهم لأن المقصود بيان هلاكهم ومن نجا أو يكون الاستثناء من كلام مدلول عليه أي فما أنجينا من الحاصب إلا آل لوط ، ويكون الإرسال عليهم والإهلاك عامّا ، فكأن الحاصب أهلك من كان الإرسال عليه مقصودا وغيرهم ، كالأطفال والدّوابّ (٦).
والمراد بآل لوط : من تبعه على دينه ولم يكن إلا بنتاه.
قوله : (نَجَّيْناهُمْ) تفسير وجواب لقائل يقول : فما كان من شأن آل لوط؟ كقوله تعالى : (أَبى) [البقرة : ٣٤] بعد قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ). وقد تقدم في البقرة (٧).
قوله : (بِسَحَرٍ) الباء حالية أو ظرفية ، وانصرف «سحر» لأنه نكرة ، ولو قصد به
__________________
(١) نقل الوجهين العكبري في التبيان ١١٩٤ واختار الثاني.
(٢) الدر المصون مخطوط بمكتبة الإسكندرية لوحة رقم ١٢٢.
(٣) التبيان المرجع السابق.
(٤) حيث إنّ آل لوط مع من عذّبوا حينما عارضوا فكيف لم يرسل الحاصب على آل لوط؟
(٥) التفسير الكبير له ١٥ / ٥٨ و ٥٧.
(٦) بالمعنى من المرجع السابق.
(٧) وراجع اللباب الجزء الأول ص ٧٧ نسخة ب.