ومعنى «مستقر» أي ثابت عليهم لا يدفعه أحد عنهم ، أو دائم لأنهم انتقلوا منه إلى عذاب الجحيم ، وهو دائم ، أو بمعنى قدر الله عليهم وقوعه ولم يصبهم بطريق الاتفاق وذلك العذاب قلب قريتهم عليهم ، وجعل أعلاها أسفلها (١).
وقوله : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أي العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين غير العذاب الذي أهلكوا به ، فلذلك حسن التكرير (٢).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ)(٤٦)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) المراد بآله خواصّه ، والنّذر موسى وهارون. ولقد يطلق لفظ الجمع على الاثنين. وقيل : المراد بآل فرعون القبط.
فإن قيل : ما الفائدة في قوله : «آل فرعون» بدل «قوم فرعون»؟
فالجواب : أن القوم أعم من الآل فالقوم كل من يقوم الرئيس بأمرهم ، أو يقومون هم بأمره وقوم فرعون : كانوا تحت قهره بحيث لا يخالفونه في قليل ولا كثير ، فأرسل إليه الرسول وحده غير أنه كان عنده جماعة من المقربين مثل قارون. مقدم (٣) عنده لماله العظيم ، وهامان لدهائه ، فاعتبرهم الله في الإرسال ، حيث قال في مواضع : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) [الزخرف : ٤٦] وقال : (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ) [غافر : ٢٤] وقال في العنكبوت : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى) [العنكبوت : ٣٩] لأنهم إن آمنوا آمن الكل ، بخلاف الأقوام الذين كانوا قبلهم وبعدهم ، فقال : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) وقال : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ).
فإن قيل : كيف قال : «ولقد جاءهم» ولم يقل في غيره (٤) : جاء؟
فالجواب : لأن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما جاءهم كان غائبا عن القوم فقدم عليهم ، كما قال : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) [الحجر : ٦١] ، وقال تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] حقيقة أيضا ، لأنه جاءهم من الله من السموات بعد المعراج ، كما جاء موسى قومه من الطور حقيقة.
والنذر : الرسل وقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى. وقيل : النذر الإنذارات.
__________________
(١) للرازي السابق.
(٢) قاله القرطبي في الجامع ١٧ / ١٤٤.
(٣) في ب والرازي : تقدم عنده.
(٤) كذا في النسختين وفي الرازي : غيرهم.