(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) يريد يوم القيامة (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) مما لحقهم (١).
فصل
«أدهى» من الداهية وهي الأمر العظيم يقال : أدهاه (٢) أمر كذا أي أصابه دهوا ودهيا. وقال ابن السّكّيت (٣) : دهته داهية دهواء ودهياء (٤) ، وهي توكيد لها.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)(٤٨)
قوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) قيل : في ضلال بعد عن الحق. قال الضحاك: وسعر أي نار تسعّر عليهم. وقيل : ضلال ذهب عن طريق الجنة في الآخرة. وسعر جمع سعير : نار مستعرة. وقال الحسين بن الفضل : إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة. قال قتادة : في عناء وعذاب.
ثم بين عذابهم فقال : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) ويقال لهم : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)(٥).
فصل
أكثر المفسرين على أن هذه الاية في القدريّة. وفي الحديث : أنها نزلت في القدريّة. وعن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «مجوس هذه الأمّة القدريّة فهم المجرمون الّذين سمّاهم الله تعالى في قوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ).
واعلم أن الجبريّ من يقول : القدريّ من يقول الطاعة والمعصية بفعلي فهم ينكرون القدر. والفريقان متّفقان على أن السّنّيّ القائل بأن الأفعال خلق الله وبسبب من العبد ليس بقدر. قال ابن الخطيب : والحقّ أن القدريّ هو الذي ينكر القدر ، وينسب الحوادث لاتصال الكواكب لما روي أنّ قريشا خاصموا في القدر ومذهبهم أن الله مكّن العبد من الطاعة والمعصية ، وهو قادر على خلق ذلك في العبد ، وقادر على أن يطعم الفقير ، ولهذا قالوا : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) [يس : ٤٧] منكرين لقدرته تعالى على
__________________
(١) وانظر هذا كلّه في تفسير العلامة القرطبي ١٧ / ١٤٦ وانظر بعضه في معالم التنزيل للعلامة البغوي ٦ / ٢٧٨.
(٢) الصحيح كما في كتب اللغة دهاه ثلاثيّا.
(٣) يعقوب أبو يوسف بن السكيت ، كان من أكابر أهل اللغة والسّكّيت لقب أبيه إسحاق. أخذ عن أبي عمرو الشيباني والفراء وابن الأعرابي ، وأخذ عنه أبو سعيد السكري وأبو عكرمة الضبّي ، وكان من أصحاب الكسائي حسن المعرفة بالعربية. مات سنة ٢٤٤. وقيل غير ذلك. وانظر نزهة الألباء ص ١٢٣.
(٤) القرطبي السابق واللسان دها ١٤٤٨.
(٥) البغوي ٦ / ٢٧٨.