الإطعام. وأما قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «القدريّة مجوس هذه الأمة». فإن أريد بالأمة المرسل إليهم مطلقا كالقوم ، فالقدرية في زمانه هم المشركون المنكرون قدرته على الحوادث ، فلا يدخل فيهم المعتزلة. وإن كان المراد بالأمة من آمن به ـ عليه الصلاة والسلام ـ فمعناه أن نسبة القدرية إليهم كنسبة المجوس إلى الأمة المتقدمة ، فإن المجوس أضعف الكفرة المتقدمين شبهة وأشدّهم مخالفة للعقل ، وكذا القدرية في هذه الأمة وكونهم كذلك لا يقتضي الجزم بكونهم في النار. فالحق أن القدريّ هو الذي ينكر قدرة الله تعالى (١).
فصل
روى مسلم عن أبي هريرة ، قال : جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في القدر ، فنزلت هذه الآية : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) إلى قوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ). وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : كتب الله مقادير الخلائق كلّها من قبل أن يخلق السّموات والأرض بخمسين ألف سنة قال : وعرشه على الماء. وعن طاوس اليماني قال : أدركت ما شاء الله من أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقولون : كلّ شيء بقدر الله. وسمعت من عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «كلّ شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز» (٢).
وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله : لا يؤمن بالله عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّي رسول الله بعثني بالحقّ ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر. وزاد عبيد الله : خيره وشرّه (٣). وهذه الأدلة تبطل مذاهب القدرية.
قوله : (ذُوقُوا) فيه إضمار القول. وقرأ أبو عمرو ـ في (٤) رواية محبوب عنه ـ مسّقر.
وخطّأه ابن مجاهد (٥) ، وهو معذور ؛ لأن السّين الأخيرة من «مسّ» مدغم فيها فلا تدغم في غيرها لأنه متى أدغم فيها لزم تحريكها ومتى أدغمت هي لزم سكونها فتنافى الجمع بينهما.
__________________
(١) وانظر تفسير الإمام ١٥ / ٧١.
(٢) وانظر في هذا تفسير القرطبي ١٧ / ١٤٧ والرازي السابق والبغوي ٦ / ٢٧٩ و ٢٨٠.
(٣) البغوي المرجع السابق.
(٤) نسب أبو حيان هذه القراءة لمحبوب.
(٥) رجعت إلى السبعة له فلم أجده تكلم عند هذه النقطة فقد نقل عنه أبو حيان ذلك ، ولعل له كلاما في كتاب آخر لم يصل إلينا.