والثاني : أن يكون جمع الساكن نحو : سقف في سقف ، ورهن في رهن. والجمع مناسب للجمع قبله في جنّات (١). وقراءة العامة بإفراده أبلغ ، وقد تقدم كلام ابن عباس في قوله تعالى آخر البقرة وملائكته وكتابه [البقرة : ٢٨٥] بالإفراد أنه أكثر من الكتب ، وتقدم أيضا تقرير الزمخشري لذلك (٢). قال القرطبي (رحمة الله عليه) (٣) كأنه جمع نهار لا ليل لهم كسحاب وسحب (٤). قال الفراء : أنشدني بعض العرب :
٤٦١٦ ـ إن تك ليليّا فإنّي نهر |
|
متى أرى الصّبح فلا أنتظر (٥) |
أي صاحب النهار. وقال آخر :
٤٦١٧ ـ لولا الثّريد إن هلكنا بالضّمر |
|
ثريد ليل وثريد بالنّهر (٦) |
فصل
لما وصف الكفار وصف المؤمنين أيضا ، فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ) الجنات : اسم للأشجار أي هم خلالها وكذلك الأنهر ، والمعنى : جنات وعند عيون كقوله :
٤٦١٨ ـ علفتها تبنا وماء باردا |
|
.......... (٧) |
وجمعت الجنات إشارة إلى سعتها وتنوعها ، وأفرد النّهر ؛ لأن المعنى في خلاله ، فاستغني عن جمعه ، وجمع في قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) لئلا يتوهم أنه ليس في الجنة إلّا نهر فيه. والتنكير فيه للتعظيم.
__________________
(١) نقله أبو حيان في البحر ٨ / ١٨٤.
(٢) قال الزمخشري في الكشاف ١ / ٤٠٧ : «وقرأ ابن عباس وكتابه يريد القرآن أو الجنس وعنه الكتاب أكثر من الكتب. فإن قلت: كيف يكون الواحد أكثر من الجمع؟ قلت : لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شيء فأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع».
(٣) زيادة من أ.
(٤) الجامع ١٧ / ١٥٠.
(٥) من الرجز وفي الطبري : «متى أتى» بدل «متى أرى». والبيت مجهول قائله. والشاهد في : نهر أي صاحب النهار فهو في مقابلة «ليليّا». وانظر البيت في القرطبي ١٧ / ١٥٠ واللسان «نهر» ٤٥٥٧ والطبري ٢٧ / ٦٧ دار المعرفة ومعاني الفراء ٣ / ١١١.
(٦) كسابقه في البحر والجهل بقائله. وشاهده في كلمة : بالنّهر فإنه بمعنى النّهار ، أو جمع نهار كسحاب وسحب ، وانظر اللسان «نهر» ٤٥٥٧ والقرطبي ١٧ / ١٥٠. وروى البيت صاحب التهذيب والصحاح كما يلي :
لولا الثّريد إن لمتنا بالضّمر
انظر التهذيب والصحاح «نهر».
(٧) صدر بيت من الرجز عجزه :
حتّى شتت همّالة عيناها
والشاهد : إضمار الفعل للتناسب أي علفتها تبنا وسقيتها ماءا. وقد تقدم.